(وَإِنَّا عَلى أَنْ نُرِيَكَ ما نَعِدُهُمْ لَقادِرُونَ (٩٥))
(وَإِنَّا عَلى أَنْ نُرِيَكَ ما نَعِدُهُمْ) من العذاب (لَقادِرُونَ) [٩٥] وقد رآه ببدر وفتح مكة وغيرهما.
(ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَصِفُونَ (٩٦))
(ادْفَعْ) أمر من الله لنبيه عليهالسلام بالعفو عنهم أي ادفع (بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ) أي بالخصلة التي هي أحسن الخصال ، أي بحلمك جهلهم والإغضاء والصفح عن إساءتهم أو بالسلام إذا لقيتهم ، وقيل : ادفع بقول لا إله إلا الله السيئة (١) ، أي الشرك منهم ، وهذه منسوخة بآية السيف (٢) ، ثم هددهم بقوله (نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَصِفُونَ) [٩٦] لنا من الشريك والولد فلا تعجل أنت.
(وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزاتِ الشَّياطِينِ (٩٧))
(وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزاتِ الشَّياطِينِ) [٩٧] أي من وساوسهم التي يحثون الناس بها على المعاصي.
(وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ (٩٨) حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (٩٩))
(وَأَعُوذُ) أي وأعتصم (بِكَ رَبِّ) أي يا ربي (أَنْ يَحْضُرُونِ) [٩٨] أي من أن يحضروني مطلقا أو عند تلاوة القرآن أو عند الصلوة ، وأصله يحضرونني ، فحذف إحدى النونين بأن ، ثم حذف ياء المتكلم اكتفاء بالكسر ، (حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ) أي إنهم لا يزالون يشركون بالله إلى وقت مجيء الموت إليهم ، ف (حَتَّى) متعلق ب (يَصِفُونَ) ، وما بينهما اعراض لتأكيد إغضائه عنهم مستعينا بالله من أن يستزله الشيطان عن الحلم أو تقديره : أمهلهم في كفرهم حتى إذا حضر أحدهم الموت كافرا (قالَ رَبِّ ارْجِعُونِ) [٩٩] خطاب لله تعالى بلفظ الجمع للتعظيم ، أي الكافر يقول : ردوني إلى الدنيا ، وقيل : خطاب لملك الموت وأعوانه (٣).
(لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً فِيما تَرَكْتُ كَلاَّ إِنَّها كَلِمَةٌ هُوَ قائِلُها وَمِنْ وَرائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (١٠٠))
(لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً) أي خالصا (فِيما تَرَكْتُ) من الإيمان في الدنيا ، يعني لعلي اؤمن وأعمل فيه عملا صالحا يرضى به ربي ، روي عن النبي عليهالسلام أنه قال : «إذا عاين المؤمن الملائكة قالت له نرجعك إلى الدنيا ، فيقول إلى دار الأحزان والهموم ، بل قدوما إلى الله تعالى ، وأما الكافر فيقول رب ارجعوني إلى الدنيا» (٤) ، فقال تعالى (كَلَّا) وهو ردع له عن طلب الرجعة واستبعاد لذلك ، أي إنه لا يرد إلى الدنيا أبدا (إِنَّها) أي مقالته وهي (لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً (كَلِمَةٌ هُوَ قائِلُها) تحسرا على تفريطه ، قيل : لا يخليها ولا يسكت عنها لاستيلاء الحسرة عليه أو هو قائلها وحده لا يجاب إليها ولا تسمع منه (٥)(وَمِنْ وَرائِهِمْ بَرْزَخٌ) الضمير للجماعة ، أي من أمامهم حاجز يصدهم عن الرجوع وهو القبر (إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) [١٠٠] يعني لا يرجعون أبدا وهو إقناط كلي لهم عن الرجوع لما علم أنه لا رجعة بعد البعث إلا إلى الآخرة ، والبرزخ ما بين النفختين.
(فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَساءَلُونَ (١٠١))
(فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ) وهي النفخة الأخيرة (فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ) أي لا ينفعهم النسب (يَوْمَئِذٍ) يعني إذا بعث الناس فلا أنساب بينهم يتواصلون بها أو يتفاخرون ، إذ الأنساب ينقطع بينهم يوم القيامة حيث يتفرقون للعقاب أو للثواب إلا نسب الدين لزوال التراحم والتعاطف بين الأقارب لشدة اليوم ، لأنه (يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ
__________________
(١) أخذ المؤلف هذا المعنى عن السمرقندي ، ٢ / ٤٢٠.
(٢) نقله عن البغوي ، ٤ / ١٥٩ ؛ وانظر أيضا هبة الله بن سلامة ، ٦٧ ؛ وابن الجوزي ، ٤٥.
(٣) نقل المفسر هذا الرأي عن السمرقندي ، ٢ / ٤٢١.
(٤) انظر الكشاف ، ٤ / ١٠٩. ولم أعثر عليه في كتب الأحاديث الصحيحة التي راجعتها.
(٥) أخذه المؤلف عن الكشاف ، ٤ / ١٠٩.