يجري على ألسنتكم من غير علم به في القلب (وَتَحْسَبُونَهُ) أي ذلك القول (هَيِّناً) أي صغيرة (وَهُوَ عِنْدَ اللهِ عَظِيمٌ) [١٥] كثير الوزر ، أي كبيرة.
(وَلَوْ لا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ) فصل بين (لَوْ لا) و (قُلْتُمْ) بالظرف اتساعا ، إذ الظروف تتنزل من الأشياء منزلة أنفسها ، لأنها محال لها لا ينفك عنها وإنما قدم الظرف للاهتمام بالتحامي عن التكلم بالإفك أول السماع (ما يَكُونُ) أي لا ينبغي (لَنا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهذا) الإفك (سُبْحانَكَ هذا بُهْتانٌ عَظِيمٌ) [١٦] فيه بيان فضل عائشة رضي الله عنها ، لأن الله نزهها بلفظ نزه نفسه وهو قوله (سُبْحانَكَ) ، أي سبحان الله أن يكون زوجة النبي عليهالسلام زانية.
(يَعِظُكُمُ اللهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَداً إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (١٧))
(يَعِظُكُمُ اللهُ) أيها الخائضون في أمر عائشة ينهاكم الله عنه (أَنْ تَعُودُوا) أي كراهة أن تعودوا (لِمِثْلِهِ) أي الخوض (أَبَداً إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) [١٧] بالله وبرسوله وباليوم الآخر.
(وَيُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الْآياتِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (١٨))
(وَيُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الْآياتِ) أي آيات الأمر والنهي (وَاللهُ عَلِيمٌ) يعلم أحوال الخلق (حَكِيمٌ) [١٨] يحكم بينهم بالحق.
(إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (١٩))
قوله (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ) نزل في ابن أبي وأصحابه الذين يريدون (١)(أَنْ تَشِيعَ الْفاحِشَةُ) أي الزنا (فِي الَّذِينَ آمَنُوا) كعائشة وصفوان رضي الله عنهما (لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) وهو (فِي الدُّنْيا) الجلد (وَ) في (الْآخِرَةِ) النار (وَاللهُ يَعْلَمُ) براءة عائشة وكذب الخائضين (وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) [١٩] ذلك.
(وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللهَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ (٢٠))
ونزل في مسطح من المهاجرين (٢)(وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللهَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ) [٢٠] والجواب لعذبكم ، وفي تكرير (وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ) وحذف الجواب زيادة مبالغة يفي المنة عليكم والتوبيخ لهم.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُواتِ الشَّيْطانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ ما زَكى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَداً وَلكِنَّ اللهَ يُزَكِّي مَنْ يَشاءُ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (٢١))
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ) أي تزيينه في قذف عائشة وصفوان وسائر المؤمنين (وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُواتِ الشَّيْطانِ فَإِنَّهُ) أي الشيطان (يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ) أي بالقبيح بالإفراط (وَالْمُنْكَرِ) وهو ما لا يعرف شرعا وتنفر عنه النفوس ، قوله (فَإِنَّهُ) أقيم مقام الجواب ، أي وقع في الفحشاء والمنكر ، لأن الشيطان يأمر بهما (وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ) أيها المؤمنون (وَرَحْمَتُهُ) بكم في الدارين (ما زَكى) أي ما طهر من دنس إثم الإفك (مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَداً) و «من» زائدة و (أَحَدٍ) فاعل (زَكى (وَلكِنَّ اللهَ يُزَكِّي) أي يطهر التائبين بقبول توبتهم إذا أخلصوها (مَنْ يَشاءُ وَاللهُ سَمِيعٌ) لقولهم (عَلِيمٌ) [٢١] بضمائرهم.
__________________
(١) نقله المصنف عن السمرقندي ، ٢ / ٤٣٣ ؛ وانظر أيضا البغوي ، ٤ / ١٨٤.
(٢) لعله اختصره من البغوي ، ٤ / ١٨٤.