(وَلا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبى وَالْمَساكِينَ وَالْمُهاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٢٢))
قوله (وَلا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ) نزل في أبي بكر رضي الله عنه حين حلف أن يقطع نفقته عن مسطح ابن خالته لخوضه في عائشة ، وكان فقيرا بدريا مهاجرا ينفق عليه أبو بكر رضي الله عنه (١) ، من الائتلاء وهو الحلف ، أي لا يحلف أولوا الفضل منكم (وَالسَّعَةِ) في المال (أَنْ يُؤْتُوا) أي على أن لا يعطوا (٢) ويحسنوا إلى المستحقين للإحسان لجناية اقترفوها ، ومفعول (يُؤْتُوا (أُولِي الْقُرْبى) أي ذوي القربى (وَالْمَساكِينَ وَالْمُهاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلْيَعْفُوا) أي ليتجاوزوا عن خطئهم (وَلْيَصْفَحُوا) أي ليعرضوا عن ذنوبهم ، فالمعنى : لا يحلفوا على أن لا يحسنوا إليهم ولا يقصروا فيه فليعودوا عليهم بالعفو والصفح (أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ) إذا عفوتم فقال أبو بكر رضي الله عنه : «بلى أحب أن يغفر الله لي ورد إلي مسطح نفقته» (٣)(وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [٢٢] أي يغفر ذنوب المؤمنين ويرحمهم.
(إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ الْغافِلاتِ الْمُؤْمِناتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (٢٣))
قوله (إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ) نزل في شأن قذف ابن أبي عائشة رضي الله عنها (٤) ، وإنما قال بالجمع لأنها أم المؤمنين فجمعت إرادة لها ولبناتها من نساء الأمة الموصوفات بالإحسان أو لأن من قذف واحدة من نساء النبي عليهالسلام فكأنه قذف جميعها ، أي إن الذين يقذفون المحصنات وهي العفائف عن الفواحش (الْغافِلاتِ) عن الاهتمام بالفحشاء (الْمُؤْمِناتِ) أي السليمات القلوب التي ليس فيهن مكر النساء وحيلهن (لُعِنُوا فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ) أي جعل القذفة ملعونين في الدارين جميعا (وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ) [٢٣] أي دائم في الآخرة أو ليس لهم توبة ، فالمراد من (الْمُحْصَناتِ) زوجات النبي عليهالسلام ، أن من قذف مؤمنة غيرهم فقد جعل الله له توبة.
(يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (٢٤))
(يَوْمَ) أي اذكر يوم (تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) [٢٤] من الإفك والزنا وغيرهما.
(يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ (٢٥))
قوله (يَوْمَئِذٍ) نصب بقوله (يُوَفِّيهِمُ) أي يوفرهم (اللهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ) بالنصب صفة الدين ، وبالرفع صفة (اللهُ)(٥) ، يعني يتمم جزاءهم الواجب الذي يجازون على أعدل الجزاء يوم القيامة (وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ) [٢٥] أي لا يشكون في أنه هو العادل الظاهر لا ظلم في حكمه ومن هذا وصفه فحق مثله أن يتقي ويجتنب محارمه.
(الْخَبِيثاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثاتِ وَالطَّيِّباتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّباتِ أُولئِكَ مُبَرَّؤُنَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (٢٦))
(الْخَبِيثاتُ) أي الأعمال الخبيثات تعد (لِلْخَبِيثِينَ) من الناس (وَالْخَبِيثُونَ) منهم (لِلْخَبِيثاتِ وَ) كذا تعد
__________________
(١) نقله عن البغوي ، ٤ / ١٨٥ ؛ وانظر أيضا السمرقندي ، ٢ / ٤٣٣ ؛ والكشاف ، ٤ / ١٢٠.
(٢) أي على أن لا يعطوا ، و : أي على أن يعطوا ، ح ي ؛ وانظر أيضا السمرقندي ، ٢ / ٤٣٣.
(٣) انظر البغوي ، ٤ / ١٨٥ ـ ١٨٦.
(٤) لعل المفسر اختصره من البغوي ، ٤ / ١٨٦.
(٥) أخذ المؤلف هذه القراءة عن السمرقندي ، ٢ / ٤٣٤. (الحق : قرأ مجاهد «الحق» بضم القاف فيكون «الحق» نعت الله ... وقراءة العامة بالنصب وإنما يكون نصبا لنزع الخافض).