(الطَّيِّباتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّباتِ) وإنما كررت الصيغتان لقصد التأكيد والإيذان بأن كل واحد من أفرادهما لا يصلح إلا لصاحبه ، ويجوز أن يراد ب (الْخَبِيثاتُ) و (الطَّيِّباتُ) النساء ، أي الزناة يتزوجن (١) الزواني وبالعكس ، وكذلك أهل الطيب ، أي العفائف للعفيفين وبالعكس (أُولئِكَ) أي الطيبون والطيبات أو عائشة وصفوان ، لأن أقل الجمع اثنان (مُبَرَّؤُنَ) أي منزهون (مِمَّا يَقُولُونَ) أي الخبيثون والخبيثات فيهم من القذف (لَهُمْ) أي للطيبين والطيبات (مَغْفِرَةٌ) من ذنوبهم لأجل الافتراء عليهم (وَرِزْقٌ كَرِيمٌ) [٢٦] أي الجنة.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلى أَهْلِها ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (٢٧))
ثم قال الله تعالى تعليما للأدب ودفعا للتهمة عن أهل الإيمان (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ) أي لا تدخلوا غير بيوتكم (حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا) ف (حَتَّى) غاية لنهي الدخول ، أي حتى تستأذنوا من الاستئناس الذي هو الاستعلام ، ويجوز أن يكون من الاستئناس الذي هو ضد الاستيحاش ، لأن من يطرق باب غيره لا يدري أيؤذن له أم لا ، فهو كالمستوحش من خفاء الحال عليه ، فاذا أذن له استأنس ، وعن النبي عليهالسلام في معنى الاستئناس حين سئل عنه فقال : «هو أن يتكلم الرجل بالتسبيحة والتكبيرة والتحميدة يتنحنح يؤذن أهل البيت» (٢)(وَتُسَلِّمُوا عَلى أَهْلِها) والتسليم أن يقول : السّلام عليكم أأدخل ثلاث مرات ، فان أذن له وإلا رجع (ذلِكُمْ) أي الاستئذان والتسليم (خَيْرٌ لَكُمْ) من تركه ومن تحية الجاهلية وهي حييتم صباحا وحييتم مساء ومن دخول البيت بلا إذن ، لأنه إذا دخل بلا إذن فربما صادف الرجل مع امرأته في ثوب واحد ، فنهوا عن ذلك بهذه الآية ، قال بعضهم : إن رأى إنسانا قدم التسليم وإن لم يره قدم الاستئذان ثم يسلم ، روي : «أن رجلا قال يا رسول الله أأستأذن على أمي؟ قال : نعم ، فقال : ليس لها خادم غيري أأستأذن عليها؟ قال : أتحب أن تراها عريانة ، قال : لا ، قال : فاستأذن» (٣)(لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) [٢٧] أي تتعظون.
(فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيها أَحَداً فَلا تَدْخُلُوها حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكى لَكُمْ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (٢٨))
(فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيها) أي في البيوت (أَحَداً فَلا تَدْخُلُوها حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ) في الدخول (وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ) عند الاستئذان للدخول (ارْجِعُوا فَارْجِعُوا) ولا تلحوا في الدخول (هُوَ) أي الرجوع (أَزْكى لَكُمْ) أي أطهر لقلوبكم من الريبة والدخول بغير إذن ، ولا تقفوا على الأبواب منتظرين ، لأن هذا مما يجلب الكراهة ويقدح في قلوب الناس ، وإذا نهي عن ذلك لأدائه إلى الكراهية وجب الانتهاء عن مقدماته من قرع الباب بعنف والتصييح لصاحب الدار وغير ذلك من العادات مما يستكره عندهم ، فان عرض أمر في دار من حريق أو هجوم سارق أو ظهور منكر يجب إنكاره جاز الدخول بغير إذن ، لأنه مستثنى بالدليل (وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ) [٢٨] من خير وشر.
(لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيها مَتاعٌ لَكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وَما تَكْتُمُونَ (٢٩))
ونزل في الخانات والبيوت على ظهر طريق لا يناكر فيها قوله (٤)(لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ
__________________
(١) يتزوجن ، و : يتزوجون ، ح ي.
(٢) انظر الكشاف ، ٤ / ١٢٢. ولم أعثر عليه في كتب الأحاديث المعتبرة التي راجعتها.
(٣) رواه مالك ، الاستئذان ، ١ ؛ وانظر أيضا الكشاف ، ٤ / ١٢٢.
(٤) اختصره من السمرقندي ، ٢ / ٤٣٦ ؛ وانظر أيضا البغوي ، ٤ / ١٩٠.