(وَقالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَها فَهِيَ تُمْلى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً (٥))
(وَقالُوا) أي المشركون القرآن (أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) أي ما سطره المتقدمون من نحو أحاديث رستم وإسفنديار ، جمع أسطورة كأحدوثة (اكْتَتَبَها) أي انتسخها محمد من جبر وأصحابه وأخذها لنفسه ، وهو حال ب «قد» مقدرة ، أي أساطير مكتتبة ، قيل : أصل النظم أن يقال أمليت عليه فهو يكتبها ، أجيب بأن المعنى أنه طلب من يكتبها له (١) ، لأنه لم يكن يحسن الكتابة (فَهِيَ تُمْلى) أي تقرأ (عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً) [٥] أي غدوة وعشيا ، يعني دائما.
(قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كانَ غَفُوراً رَحِيماً (٦))
(قُلْ) يا محمد (أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ) أي كل سر خفي (فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) فلو تقوله عليه لعلمه فيعاقبه بأشد العقاب ومن جملته ما تسرون من الكيد لرسوله مع أن قولكم باطل وزور في حقه ، فيجازيكم عليه (إِنَّهُ كانَ غَفُوراً رَحِيماً) [٦] يمهل ولا يعاجل مع استحقاقكم أن يصب عليكم العذاب صبا ، وقيل : معناه ارجعوا عن القول بالباطل وتوبوا فانه يعلم السر ويغفر لمن تاب ويرجم لمن أطاع ويقدر على العقوبة ، إذ لا يوصف بالمغفرة والرحمة إلا القادر عليها (٢).
(وَقالُوا ما لِهذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْواقِ لَوْ لا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً (٧))
(وَقالُوا) أي الكافرون سخرية (ما لِهذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْواقِ) مثلنا لطلب المعاش والرسالة تنافيه ، فالاستفهام بمعنى الإنكار يعنون أنه كان يجب أن يكون ملكا مستغنيا عن الأكل والتعيش ، وهو جهل ، أما أكله الطعام فلأنه بشر وأما مشيه في الأسواق فلقضاء حاجته تواضعا ، وهما لا ينافيان الرسالة ، ثم نزلوا عن اقتراحهم كونه ملكا إلى كونه إنسانا معه ملك فقالوا (لَوْ لا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً) [٧] يصدقه بنصب (فَيَكُونَ) جواب حرف التحضيض وهو (لَوْ لا) بمعنى هلا.
(أَوْ يُلْقى إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْها وَقالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَسْحُوراً (٨) انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً (٩))
(أَوْ يُلْقى إِلَيْهِ) بالرفع عطف على (أُنْزِلَ) ، أي لو لا يلقى عليه (كَنْزٌ) لينفقه في مصالحه (أَوْ) لو لا (تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ) أي بستان (يَأْكُلُ مِنْها) بالتاء والنون (٣) ، المعنى : أنه ليس ملكا ولا ملكا ولا غنيا نتبعه فهو دوننا فكيف نتبعه (وَقالَ الظَّالِمُونَ) أي المشركون (إِنْ تَتَّبِعُونَ) أي ما تطيعون يا أصحاب محمد (إِلَّا رَجُلاً مَسْحُوراً) [٨] أي مغلوب العقل أو ذا سحر وهي (٤) الرئة أو مخدوعا ، فقال تعالى يا محمد (انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ) أي قالوا فيك تلك الأقوال والصفات النادرة كالأمثال (فَضَلُّوا) أي بقوا متحيرين ضلالا عن الهدى (فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً) [٩] إليه.
(تَبارَكَ الَّذِي إِنْ شاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْراً مِنْ ذلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُوراً (١٠))
(تَبارَكَ) أي تكاثر خير (الَّذِي إِنْ شاءَ جَعَلَ لَكَ) أي وهب لك في الدنيا (خَيْراً مِنْ ذلِكَ) أي مما قالوا وهو أن يعجل لك مثل ما وعدك في الآخرة من (جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُوراً) [١٠] في الدنيا أو في الآخرة ، بالجزم عطف على جواب الشرط ، وبالرفع عطف على «جعل» (٥) ، لأن الشرط ماض فجاز الوجهان في جزائه الجزم والرفع ، عن النبي عليهالسلام : «عرض لي ربي ليجعل لي بطحاء مكة ذهبا ،
__________________
(١) هذا المعنى مأخوذ عن الكشاف باختصار ، ٤ / ١٤٠.
(٢) اختصره من السمرقندي ، ٢ / ٤٥٣ ؛ والكشاف ، ٤ / ١٤٠.
(٣) «يأكل» قرأ الأخوان وخلف بالنون ، والباقون بالياء. البدور الزاهرة ، ٢٢٦.
(٤) وهي ، وي : وهو ، ح.
(٥) «وَيَجْعَلْ» : قرأ المكي والشامي وشعبة برفع اللام ، والباقون بجزمها. البدور الزاهرة ، ٢٢٦.