فقلت : لا يا رب ولكن أشبع يوما وأجوع يوما فاذا جعت تضرعت إليك وذكرتك وإذا شبعت حمدتك وشكرتك» (١).
(بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ وَأَعْتَدْنا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيراً (١١))
(بَلْ كَذَّبُوا) أي ما صدقوك بل كذبوا (بِالسَّاعَةِ) أي بيوم القيامة وهو أعجب من ذلك كله ، فكيف يلتفتون إلى هذا الجواب الذي هو تعجيل مثل ما وعدك في الآخرة وهم لا يؤمنون بها (وَأَعْتَدْنا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيراً) [١١] أي نارا شديدة الاشتعال.
(إِذا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَها تَغَيُّظاً وَزَفِيراً (١٢))
قوله (إِذا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ) صفة (سَعِيراً) ، أي إذا كانت السعير منهم بمرأى النظر في البعد ، قيل : هو مسيرة خمسمائة سنة (٢)(سَمِعُوا لَها) أي منها (تَغَيُّظاً) أي غليانا ، يعني صوت غليانها ، وشبه ذلك بصوت المتغيظ والزافر طلبا للانتقام منهم (وَزَفِيراً) [١٢] وهو أول صوت الحمار.
(وَإِذا أُلْقُوا مِنْها مَكاناً ضَيِّقاً مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنالِكَ ثُبُوراً (١٣) لا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُوراً واحِداً وَادْعُوا ثُبُوراً كَثِيراً (١٤))
(وَإِذا أُلْقُوا مِنْها) أي من السعير وهو حال من (مَكاناً ضَيِّقاً) أي في مكان جهنم يضيق عليهم إذا لقوا فيها كما يضيق الزج في الرمح ، فيكون أشد لعذابهم (مُقَرَّنِينَ) أي وهم مع ذلك مقرنون مع شياطينهم في السلاسل ، روي : أن كل كافر يقرن معه شيطانه في سلسلة (٣)(دَعَوْا هُنالِكَ ثُبُوراً) [١٣] أي هلاكا ، يعني يقولون واثبوراه ، أي تعالى يا ثبور ، فهذا حينك فيقال لهم (لا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُوراً واحِداً) لأن عذابكم ألوان كثيرة لا يفني (وَادْعُوا ثُبُوراً كَثِيراً) [١٤] لأنكم وقعتم في عذابكم لا يكفي فيه ثبور واحد.
(قُلْ أَذلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ كانَتْ لَهُمْ جَزاءً وَمَصِيراً (١٥))
(قُلْ) يا محمد لكفار قريش (أَذلِكَ) أي المذكور من صفة النار (خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ) من الشرك وعذابه إياها (كانَتْ) الجنة (لَهُمْ) معدة في علمه تعالى (جَزاءً وَمَصِيراً) [١٥] أي ثوابا ومقرا ، وهو مدح للثواب نحو نعم الثواب وحسنت مرتفقا.
(لَهُمْ فِيها ما يَشاؤُنَ خالِدِينَ كانَ عَلى رَبِّكَ وَعْداً مَسْؤُلاً (١٦))
(لَهُمْ فِيها) أي في الجنة (ما يَشاؤُنَ) أي يحبون (خالِدِينَ) فيها حال من ضمير (يَشاؤُنَ (كانَ عَلى رَبِّكَ) ما وعدوا به من النعيم (وَعْداً مَسْؤُلاً) [١٦] أي مطلوبا للمؤمنين بقولهم ربنا آتنا ما وعدتنا على رسلك.
(وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَما يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ فَيَقُولُ أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبادِي هؤُلاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ (١٧) قالُوا سُبْحانَكَ ما كانَ يَنْبَغِي لَنا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِياءَ وَلكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآباءَهُمْ حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ وَكانُوا قَوْماً بُوراً (١٨))
(وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ) أي نجمعهم (وَما يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) «ما» عام يعم العقلاء وغيرهم كالأصنام ، لكن المراد هنا العقلاء من الملائكة وعيسى وعزير والجن (فَيَقُولُ) الله تعالى للمعبودين لإثبات الحجة على العابدين ، قرئ «نحشرهم» ، «فنقول» بالنون فيهما وبالياء فيهما وبالنون في الأول (٤) وبالياء في الثاني (٥) ، ومقول القول (أَأَنْتُمْ
__________________
(١) رواه الترمذي ، الزهد ، ٣٥ ؛ وانظر أيضا البغوي ، ٤ / ٢٢٧.
(٢) نقله المصنف عن السمرقندي ، ٢ / ٤٥٥ ؛ وانظر أيضا البغوي ، ٤ / ٢٢٨.
(٣) نقل المؤلف هذا الرأي عن البغوي ، ٤ / ٢٢٨.
(٤) «يحشرهم» : قرأ بالياء حفص وابن كثير وأبو جعفر ويعقوب ، وبالنون الباقون. البدور الزاهرة ، ٢٢٦.
(٥) «فيقول» : قرأ الشامي بالنون ، وغيره بالياء. البدور الزاهرة ، ٢٢٦.