والأصل أعتدنا لهم (وَ) أهلكنا (عاداً وَثَمُودَ وَأَصْحابَ الرَّسِّ) وهو بئر أو قرية ، وكانوا قوما من عبدة الأصنام وأصحاب مواش ، فأرسل إليهم شعيب فدعاهم إلى الإسلام وكانوا حول البئر ، فكذبوه وآذوه فخسف بهم وبمنازلهم وأموالهم وانهارت بئرهم ، قيل : إنما سموا أصحاب الرس ، لأنهم قتلوا نبيا من الأنبياء ورسوه في بئر لهم (١) ، أي ستروه وهي بئر أنطاكية بالشام (٢)(وَقُرُوناً بَيْنَ ذلِكَ) أي أهلكنا قرونا بين عاد وأصحاب الرس إهلاكا (كَثِيراً [٣٨] وَكُلًّا) أي كل واحد من المهلكين (ضَرَبْنا لَهُ الْأَمْثالَ) أي بينا له القصص العجيبة من قصص الأولين ووصفنا له تكذيبهم الأنبياء ونزول العذاب عليهم من الله وتدميره ، وبينا البراهين على الإيمان (وَكُلًّا) منهم بعد التكذيب (تَبَّرْنا) أي أهلكنا وكسرنا (تَتْبِيراً) [٣٩] أي تفتيتا ، ونصب (كُلًّا) الأول بما دل عليه (ضَرَبْنا لَهُ الْأَمْثالَ) وهو أنذرنا ، والثاني بفعله بعده ، لأنه فارغ له ، المعنى : إنا أهلكناهم بالإنذار والتخويف بالحجج لا بغيره ، لأنه خارج عن الحكمة.
(وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ أَفَلَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَها بَلْ كانُوا لا يَرْجُونَ نُشُوراً (٤٠) وَإِذا رَأَوْكَ إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلاَّ هُزُواً أَهذَا الَّذِي بَعَثَ اللهُ رَسُولاً (٤١))
(وَلَقَدْ أَتَوْا) أي كفار مكة في متاجرهم إلى الشام (عَلَى الْقَرْيَةِ) أي قرية سدوم (الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ) أي أهلكت بالحجارة من السماء وهي من قرى لوط ، فالمراد ب (مَطَرَ السَّوْءِ) الحجارة ، فانهم فعلوا الفاحشة فهلكوا بالحجارة من السماء (أَفَلَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَها) أي ألم يبصر آثار عذاب الله قريش عند سفرهم إلى الشام للتجارة فيتفكرون فيؤمنون (بَلْ) هم (كانُوا لا يَرْجُونَ نُشُوراً) [٤٠] أي لا يخافون بعثا ، فلذلك لا يؤمنون أو لا يأملون البعث للوصول إلى ثواب أعمالهم كما يأمله المؤمنون ، لأنهم كافرون.
(وَإِذا رَأَوْكَ) أي أهل مكة يا محمد (إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُواً) أي ما يقولون فيك إلا سخرية بينهم (أَهذَا الَّذِي بَعَثَ اللهُ رَسُولاً) [٤١] إلينا قالوه بالاستفهام استهزاء للنبي عليهالسلام ، أي ابعثه رسولا ليثبت الحجة علينا.
(إِنْ كادَ لَيُضِلُّنا عَنْ آلِهَتِنا لَوْ لا أَنْ صَبَرْنا عَلَيْها وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ الْعَذابَ مَنْ أَضَلُّ سَبِيلاً (٤٢))
(إِنْ كادَ لَيُضِلُّنا) أي ما يقرب منا ليصرفنا (عَنْ) عبادة (آلِهَتِنا) لفرط جهاده في الدين ودعوته بعرض الآيات وإظهار المعجزات (لَوْ لا أَنْ صَبَرْنا عَلَيْها) جواب (لَوْ لا) محذوف بدلالة ما قبلها وهو لصرفنا عن عبادتها ولأدخلنا في دينه ، قيل : هو من قول أبي جهل لعنه الله (٣) ، قوله (وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ) وعيد لهم ودلالة على أنهم لا يفوتونه (حِينَ يَرَوْنَ الْعَذابَ) أي حين نزول العذاب عليهم (مَنْ أَضَلُّ سَبِيلاً) [٤٢] هم أم المؤمنين ، وهو مفعول (يَعْلَمُونَ) وكالجواب من قولهم (إِنْ كادَ لَيُضِلُّنا).
(أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً (٤٣))
(أَرَأَيْتَ) أي أخبرني يا محمد (مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ) قدم المفعول الثاني على الأول لفضل العناية به ، والأصل اتخذ هواه إلها ، وهذا توبيخ لكل من يعبد غير الله أو لكل من يتبع هواه لعصيانه ، روي : أن الرجل منهم كان يعبد الحجر ، فاذا رأى أحسن منه رمي به وأخذ آخر لحسنه (٤) ، فليست الهداية بيدك حتى تهديه وتمنعه عن اتباع الهوى (أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً) [٤٣] أي حافظا تحفظه عن ارتكاب هواه وعبادة ما يهويه ، يعني لست كذلك انما أنت منذر فأنذرهم.
__________________
(١) أخذه المصنف عن السمرقندي ، ٢ / ٤٦١.
(٢) وقال فخر الدين الرازي : «واعلم أن القول ما قاله أبو مسلم وهو أن شيئا من هذه الروايات غير معلوم بالقرآن ولا بخبر قوي الإسناد ، ولكنهم كيف كانوا فقد أخبر الله تعالى عنهم أنهم أهلكوا بسبب كفرهم». انظر مفاتيح الغيب ، ٢٤ / ٧٣. وقال ابن كثير بعد أن روى نحو هذه الروايات : «وفيه غرابة ونكارة ولعل فيه إدراجا». انظر تفسير القرآن العظيم ، ٦ / ١٢٠.
(٣) أخذه عن الكشاف ، ٤ / ١٥٠ ؛ وانظر أيضا السمرقندي ، ٢ / ٤٦١.
(٤) نقله المفسر عن السمرقندي ، ٢ / ٤٦٢.