وخسرانا لازما ، ومنه الغريم لإلزامه وإلحاحه غريمه في طلب حقه منه ، قيل : يجوز أن يكون أن عذابها و (إِنَّها) أي إن جهنم (ساءَتْ) الآيتان من كلام القوم وإن تكونا من كلام الله تعالى (١) ، أي بئست (مُسْتَقَرًّا وَمُقاماً) [٦٦] هي وهو المخصوص بالذم ، وفي (ساءَتْ) ضمير مبهم يفسره مستقرا بتأويل الدار ليوافق المفسر المفسر ، ورابط الجملة باسم «إن» للخبرية هو الضمير المحذوف المخصوص بالذم.
(وَالَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكانَ بَيْنَ ذلِكَ قَواماً (٦٧))
(وَالَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا) بفتح الياء وضم التاء ، قيل : الإسراف مجاوزة الحد في النفقة وإن قلت (٢) ، والقتر التضييق ، ضد الإسراف ، وقرئ «لم يقتروا» من أقتر و «يقتروا» بالتشديد من قتر مشددا «ويقتروا» بفتح الياء وكسر التاء من قتر مخففا (٣)(وَكانَ) الإنفاق (بَيْنَ ذلِكَ) الإسراف والإقتار (قَواماً) [٦٧] أي وسطا وهو العدل بين الشيئين في الخير لاستقامة الطريق وصفهم بالقصد الذي هو بين الغلو والتقصير ، وقيل : المعنى انهم لم يسرفوا فينفقوا في معصية الله ولم يقتروا فيمسكوا عن طاعة الله (٤) ، وسمع رجل رجلا يقول لا خير في الإسراف فقال لا إسراف في الخير ، ولذا قيل : «لو كان لرجل مثل أبي قبيس ذهبا فأنفقه في سبيل الله لم يكن مسرفا ولو أنفق درهما في معصية الله كان مسرفا» (٥).
(وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثاماً (٦٨))
(وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ) أي لا يشركون بالله (وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلَّا بِالْحَقِّ) أي باحدى الخصال الثلاث ، وهي الردة وزنا بالإحصان والقصاص (وَلا يَزْنُونَ) بالاستحلال ، قيل : نزلت فيمن أقدم على المعصية مع الشرك وأراد التوبة (٦) ، قوله (إِلَّا بِالْحَقِّ) متعلق بال «قتل» المحذوف ، أي حرم الله قتلها إلا بالحق ، وقيل : ب (لا يَقْتُلُونَ)(٧) ، والقتل بغير حق يدخل فيه الوأد وغيره ، وصفهم أيضا بنفي هذه المستنكرات العظام عن الموصوفين بتلك الخلال العظيمة في الدين للتعريض بما كان عليه أعداء المؤمنين من قريش وغيرهم (وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ) أي من تلك المذكورات شيئا (يَلْقَ أَثاماً) [٦٨] أي جزاء الإثم على حذف المضاف وهي العقوبة ، وقيل : ال «أثام» بئر فيها جهنم يسيل في صديد أهل النار (٨).
(يُضاعَفْ لَهُ الْعَذابُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهاناً (٦٩))
قوله (يُضاعَفْ) بالجزم بدل من (يَلْقَ) ، وبالرفع استئناف أو حال وبحذف الألف مشددا ، أي يضعف (لَهُ الْعَذابُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَيَخْلُدْ) بالجزم والرفع كذلك (٩) ، أي يتزايد له العذاب ويقيم (فِيهِ) بالإشباع وعدمه (١٠)(مُهاناً) [٦٩] يهان في العذاب دائما ، ومعنى المضاعفة في العذاب أن المشرك يعذب على شركه وعلى المعاصي جميعا ، فيضاعف عذابه بتضاعف جنايته في حال الشرك.
__________________
(١) لعله اختصره من الكشاف ، ٤ / ١٥٦.
(٢) أخذه عن البغوي ، ٤ / ٢٤٨.
(٣) «وَلَمْ يَقْتُرُوا» : قرأ المدنيان والشامي بضم الياء التحتية وكسر التاء الفوقية ، وابن كثير والبصريان بفتح الياء وكسر التاء ، والكوفيون بفتح الياء وضم التاء. البدور الزاهرة ، ٢٢٨.
(٤) نقله عن السمرقندي ، ٢ / ٤٦٦.
(٥) عن مجاهد ، انظر السمرقندي ، ٢ / ٤٦٦.
(٦) عن ابن عباس ، انظر الواحدي ، ٢٨١ ؛ والبغوي ، ٤ / ٢٤٨.
(٧) هذا القول مأخوذ عن الكشاف ، ٤ / ١٥٦.
(٨) أخذه المفسر عن البغوي ، ٤ / ٢٤٩.
(٩) «يضاعف» و «يخلد» : قرأ نافع والبصري وحفص والأخوان وخلف بألف بعد الضاد وتخفيف العين وجزم فاء «يضاعف» ودال «يخلد» ، وابن كثير وأبو جعفر ويعقوب بحذف الألف بعد الضاد وتشديد العين وجزم الفاء والدل ، وابن عامر بحذف الألف وتشديد العين ورفع الفاء والدال. البدور الزاهرة ، ٢٢٨ ـ ٢٢٩.
(١٠) «فيه» : وافق حفص ابن كثير على صلة الهاء ، والباقون بترك الصلة. البدور الزاهرة ، ٢٢٩.