(إِلاَّ مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صالِحاً فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً (٧٠))
(إِلَّا مَنْ تابَ) من ذنبه (وَآمَنَ) بالله ورسوله (وَعَمِلَ عَمَلاً صالِحاً) بعد توبته بينه وبين ربه (فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ) بأن يمحوها بالتوبة ويثبت مكانها الإيمان والطاعة والتقوى أو يبدلون بسيئاتهم حسنات في الآخرة ، قيل : نزلت الآية في شأن الوحشي قاتل حمزة (١)(وَكانَ اللهُ غَفُوراً) لما فعلوا قبل التوبة (رَحِيماً) [٧٠] بهم بعد التوبة.
(وَمَنْ تابَ وَعَمِلَ صالِحاً فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللهِ مَتاباً (٧١))
(وَمَنْ تابَ) من الشرك والمعاصي (وَعَمِلَ صالِحاً) بعد التوبة (فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللهِ مَتاباً) [٧١] مرضيا عنده مكفرا للخطايا محصلا للثواب وكرر التوبة ترغيبا فيها.
(وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً (٧٢))
(وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ) أي الشرك أو الكذب أو شهادة الزور على حذف المضاف أو اللهو والغناء ، قيل : المعنى أنهم ينفرون عن محاضر الكذابين ومجالس الخطائين ، فلا يحضرونها تنزها عن مخالطة الشر وأهله وصيانة لدينهم عما ينقصه ولئلا يكونوا شركاء فاعليه (٢) ، قال عيسى عليهالسلام : «إياكم ومجالسة الخطائين» (٣)(وَإِذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ) أي بكل باطل ينبغي أن يلغي ويترك (مَرُّوا كِراماً) [٧٢] أي منزهين نفوسهم عما يدنسها بالتوقف والخوض مع أهل اللغو ، لأن في الحضور والمشاهدة دليلا على الرضا بذلك.
(وَالَّذِينَ إِذا ذُكِّرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْها صُمًّا وَعُمْياناً (٧٣))
(وَالَّذِينَ إِذا ذُكِّرُوا) أي وعظوا (بِآياتِ رَبِّهِمْ) أي القرآن (لَمْ يَخِرُّوا) أي لم يقعوا (عَلَيْها صُمًّا) لا يسمعون (وَعُمْياناً) [٧٣] لا يبصرون وليس المراد منه نفي الخرور ، بل إثبات له ونفي الصمم والعمى ، والمعنى : أنهم إذا وعظوا بالقرآن أقبلوا على الواعظ به بآذان سامعة وقلوب واعية مصدقين لا كالمنافقين.
(وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا هَبْ لَنا مِنْ أَزْواجِنا وَذُرِّيَّاتِنا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنا لِلْمُتَّقِينَ إِماماً (٧٤))
(وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا هَبْ لَنا مِنْ أَزْواجِنا وَذُرِّيَّاتِنا) جمعا ومفردا (٤) ، الأول باعتبار المعنى ، لأن لكل واحد منهم ذرية ، والثاني لقصد الجنس ، قوله (قُرَّةَ أَعْيُنٍ) مفعول (هَبْ) ، و (مِنْ أَزْواجِنا) بيان للقرة ، ويجوز أن يكون (مِنْ) ابتدائية ، أي من جهتهم ، قيل : إنهم سألوا ربهم أن يرزقهم أزواجا وذرية عمالا لله تعالى يسرون بهم وتقر أعينهم (٥) ، وإنما قال «أعين» دون عيون ، لأنه أراد عين المتقين وهي قليلة (وَاجْعَلْنا لِلْمُتَّقِينَ إِماماً) [٧٤] أي أئمة اكتفى بالواحد عن الجمع لعدم اللبس أو لإرادة الجنس ، أي اجعل كل واحد منا إماما يقتدي به المؤمنون فيهتدون.
(أُوْلئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِما صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيها تَحِيَّةً وَسَلاماً (٧٥))
(أُوْلئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ) أي الغرفات وهي العلالي في الجنة ، قيل : «أراد به غرف الدر والياقوت والزبرجد» (٦)(بِما صَبَرُوا) أي بسبب صبرهم على الطاعات وعلى أذى الكفار وعلى الفقر وعن الشهوات ،
__________________
(١) نقله المؤلف عن السمرقندي ، ٢ / ٤٦٧.
(٢) أخذه عن الكشاف ، ٤ / ١٥٧.
(٣) انظر الكشاف ، ٤ / ١٥٧. ولم أعثر عليه في كتب الأحاديث المعتبرة التي راجعتها.
(٤) «وَذُرِّيَّاتِنا» : قرأ أبو عمرو وشعبة والأخوان وخلف بحذف الألف بعد الياء ، والباقون باثباتها. البدور الزاهرة ، ٢٢٩.
(٥) أخذه المؤلف عن الكشاف ، ٤ / ١٥٨.
(٦) عن عطاء ، انظر البغوي ، ٤ / ٢٥٢.