وقيل : إن فرعون أخطأ في حقيقة السؤال ، فموسى أجاب بحقيقة الجواب (١) ، و (قالَ) هو (رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ) [٢٤] بشيء قط أو بايقان يؤدي إليه النظر الصحيح أنه خالقهما فتؤمنوا.

(قالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلا تَسْتَمِعُونَ (٢٥) قالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ (٢٦))

ثم (قالَ) فرعون عاجزا عن الجواب (لِمَنْ حَوْلَهُ) أي لأشراف قومه ، وكانوا خمسمائة رجل عليهم الأساور (أَلا تَسْتَمِعُونَ) [٢٥] قوله ، فقال قوم فرعون ما تقول يا موسى إنكارا لقوله رب العالمين فأكده موسى ثانيا ، و (قالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ) [٢٦] عمم أولا بذكر السموات والأرض وما بينهما ، ثم خصص العام للبيان أنفسهم وآباءهم ، لأن أقرب المنظر فيه ما العامل نفسه ومن ولد منه فعلم فرعون أنه مغلوب ، فنسب موسى إلى الجنون.

(قالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ (٢٧) قالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَما بَيْنَهُما إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ (٢٨))

(قالَ) أي فرعون لجلسائه (إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ) [٢٧] ، و (قالَ) موسى مؤكدا ثالثا هو (رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَما بَيْنَهُما إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ) [٢٨] أي أصحاب عقول تستدلون بها بالنظر فيما أقول لكم فتعرفون ربكم ، وهذا الجواب لزيادة بيان وتدريج في الاستدلال ، إذ الطلوع والغروب على تقدير مستقيم في فصول السنة من أظهر ما يستدل به العاقل على توحيد الله تعالى وهو معارضه (٢) في مقابلة قوله (إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ).

(قالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلهَاً غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ (٢٩))

(قالَ) فرعون لموسى لازدياد عجزه مائلا إلى العقوبة كالجبابرة (لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلهَاً غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ) [٢٩] وهو أبلغ من «لأسجننك» وإن كان أحضر ، لأن معناه لأجعلنك واحدا ممن عرفت حالهم في سجوني ، ففيه زيادة تهديد ، إذ كان سجنه أشد من القتل.

(قالَ أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ (٣٠) قالَ فَأْتِ بِهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (٣١))

(قالَ) موسى (أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ) [٣٠] أي أتفعل ذلك ولو جئتك المعجزة ، والواو للحال ، أي جائيا بشيء مبين ، أي برهان واضح يستبين لك أمري به.

(قالَ) فرعون (فَأْتِ بِهِ) أي أرناه (إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ) [٣١] في دعواك أتيت به ، فحذف الجزاء بدلالة ما قبله من الأمر.

(فَأَلْقى عَصاهُ فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ مُبِينٌ (٣٢))

(فَأَلْقى) موسى (عَصاهُ) من يده (فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ مُبِينٌ) [٣٢] أي حية عظيمة ظاهر الثعبانية لا أنها شيء يشبه الثعبان صورة بالسحر أو بغيره فقصدت إلى فرعون ، روي : أنها ارتفعت في السماء قدر ميل (٣) ، فقال بالذي أرسلك إلا أخذتها فأخذها فعادت عصا فقال فرعون : هل غيرها.

(وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذا هِيَ بَيْضاءُ لِلنَّاظِرِينَ (٣٣) قالَ لِلْمَلَإِ حَوْلَهُ إِنَّ هذا لَساحِرٌ عَلِيمٌ (٣٤) يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ فَما ذا تَأْمُرُونَ (٣٥))

(وَنَزَعَ يَدَهُ) أي أخرجها من جيبه (فَإِذا هِيَ بَيْضاءُ) أي ذات نور (لِلنَّاظِرِينَ) [٣٣] يكاد يغشي نورها الأبصار ويسد الأفق.

__________________

(١) لعل المصنف اختصره من القرطبي ، ١٣ / ٩٨.

(٢) معارضه ، وي : معارضة ، ح.

(٣) نقله عن الكشاف ، ٤ / ١٦٥.