الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ) [٥] أي أشد الناس خسرانا ، لأنهم لو آمنوا لكانوا من الشهداء على جميع الأمم ولاستحقوا (١) النجاة والثواب.
(وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ (٦))
ثم قال تعالى (وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ) الموصوف بالهداية والبشارة (مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ) [٦] أي إنك يا محمد لتلقنه من عند الله الحكيم في أمره العليم بأعمال خلقه تمهيدا لما يسوقه من الآيات بعد.
(إِذْ قالَ مُوسى لِأَهْلِهِ إِنِّي آنَسْتُ ناراً سَآتِيكُمْ مِنْها بِخَبَرٍ أَوْ آتِيكُمْ بِشِهابٍ قَبَسٍ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (٧))
قوله (إِذْ قالَ مُوسى) نصب ب «اذكر» مقدرة (لِأَهْلِهِ) أي لزوجته ومن معها عند مسيره من مدين إلى مصر (إِنِّي آنَسْتُ) أي رأيت (ناراً سَآتِيكُمْ مِنْها بِخَبَرٍ) أي بخير الطريق على قوة الرجاء ، لأنه قد ضل عنها ، وقيل : لم يكن مع موسى غير امرأته إلا أنه لما عبر عنها بالأهل خاطب بلفظ الجمع (٢)(أَوْ آتِيكُمْ بِشِهابٍ قَبَسٍ) الشهاب الشعلة ، والقبس النار المقبوسة ، كلاهما بالتنوين صفة وموصوف وبالإضافة (٣) كاضافة ثوب جز (لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ) [٧] أي تدفعون البرد بحرها.
(فَلَمَّا جاءَها نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَها وَسُبْحانَ اللهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (٨))
(فَلَمَّا جاءَها) أي موسى النار (نُودِيَ) موسى (أَنْ بُورِكَ) «أن» تفسير ، لأن في النداء معنى القول ، أي قيل له بورك ، ولا يجوز أن يكون مخففة ، لأنه لا بد من «قد» ، ولا يجوز إضمارها ، لأنها علامة لا تحذف ، قوله (مَنْ فِي النَّارِ) محله رفع ب (بُورِكَ) ، أي من يقرب من النار (وَ) بورك (مَنْ حَوْلَها) أو المكان محذوف فيهما ، أي بورك من في مكان النار ومن حول مكانها وهو البقعة التي ظهرت النار فيها ، ومعنى قوله تعالى (بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ) بشارة بقضاء أمر عظيم ينتشر منه البركة في أرض الشام كلها ، وتلك البركة هي حدوث أمر ديني من تكليم الله موسى عليهالسلام وإظهار المعجزات عليه فيها وإرساله إلى أباعد تلك البقعة لنشر بركة ذلك الخير فيها بنصر الله تعالى إياه ، والمراد ب «النار» هنا النور وهو نور رب العزة ، قيل : المراد بالمبارك فيهم موسى والملائكة الحاضرون ، والظاهر أنه عام في كل من كان في تلك الأرض ، وفي ذلك الوادي وحواليها من أرض الشام (٤) ، وإنما قال سآتيكم بالسين إيذانا لأهله بعوده إليهم وإن أبطأ ، وإنما قال أو آتيكم ب «أو» دون الواو رجاء على أنه إن لم يظفر بحاجتيه جميعا لم يعدم إحديهما ثقة بالله الكريم إما هداية الطريق أو اقتباس النار ، لأنه لا يكاد يجمع بين حرمانين على عبده ، قوله (وَسُبْحانَ اللهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) [٨] من جملة ما نودي تعجيبا له.
(يا مُوسى إِنَّهُ أَنَا اللهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٩))
(يا مُوسى إِنَّهُ) أي الشأن (أَنَا اللهُ) أو مكلمك يا موسى أنا والله بيان أو بدل و (الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) [٩] صفتان له تعالى ، قيل : هذا جواب قول موسى من الذي يكلمني هنا حين سمع الخطاب ولم ير أحدا (٥).
(وَأَلْقِ عَصاكَ فَلَمَّا رَآها تَهْتَزُّ كَأَنَّها جَانٌّ وَلَّى مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ يا مُوسى لا تَخَفْ إِنِّي لا يَخافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ (١٠) إِلاَّ مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْناً بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ (١١))
قوله (وَأَلْقِ عَصاكَ) من يدك ، عطف على أن بورك فألقاها فصارت حية (فَلَمَّا رَآها) أي العصا (تَهْتَزُّ) أي تتحرك ، حال من هاء (رَآها (كَأَنَّها جَانٌّ) أي حية خفيفة أهلية ، وصارت عند فرعون ثعبانا وهي الحية الكبيرة الغير الأهلية ، وهي أيضا حال من ضمير (تَهْتَزُّ (وَلَّى مُدْبِراً) أي رجع موسى على ظهره هاربا (وَلَمْ يُعَقِّبْ) أي لم يلتفت بعد هربه خوفا من الحية ، فقيل له (يا مُوسى لا تَخَفْ) من الحية (إِنِّي لا يَخافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ) [١٠]
__________________
(١) ولاستحقوا ، ح و : ولا يستحقوا ، ي.
(٢) نقله المؤلف عن الكشاف ، ٤ / ١٩٠.
(٣) «بِشِهابٍ قَبَسٍ» : قرأ بتنوين «شهاب» الكوفيون ويعقوب ، وبترك التنوين غيرهم. البدور الزاهرة ، ٢٣٤.
(٤) نقله المصنف عن الكشاف ، ٤ / ١٩١.
(٥) ولم أجد له أصلا في المصادر التفسيرية التي راجعتها.