(قالُوا نَحْنُ أُولُوا قُوَّةٍ وَأُولُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانْظُرِي ما ذا تَأْمُرِينَ (٣٣) قالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوها وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِها أَذِلَّةً وَكَذلِكَ يَفْعَلُونَ (٣٤) وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَناظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ (٣٥))
(قالُوا نَحْنُ أُولُوا قُوَّةٍ) في الأجساد والآلات والعدد (وَأُولُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ) أي شجاعة وبلاء في الحرب (وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ) أي ومع ذلك هو موكول إليك ، ونحن مطيعون لك لا حكم لنا عليك (فَانْظُرِي ما ذا تَأْمُرِينَ) [٣٣] أي مرينا بأمرك نتبع أمرك ولا نخالفك ، فلما أحست منهم الميل إلى المحاربة رأت هي الميل إلى المصالحة وزيفت قولهم وأرتهم الخطأ فيه بأن (قالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذا دَخَلُوا قَرْيَةً) بالقهر (أَفْسَدُوها) بالتخريب (وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِها أَذِلَّةً) ليستقيم أمورهم فذكرت لهم عاقبة الحرب ، قوله (وَكَذلِكَ يَفْعَلُونَ) [٣٤] تصديق من الله لقولها أو هو من كلام بلقيس أرادت أن هذه عادتهم المستمرة التي لا تتغير فأرادت أن تدفعه عن ملكها فقالت (وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ) اختبارا بذلك إن كان سليمان ملكا من ملوك الدنيا أخذ الهدية وانصرف ، وإن كان نبيا لم يأخذها ولم نأمنه على بلادنا (فَناظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ) [٣٥] أي أنظر بأي شيء يرجع رسلي من قبول الهدية أو ردها وما يقال لهم فأهدت أربع لبنات من الذهب ، كل لبنة مائة رطل مع هدايا كثيرة مذكورة في التفاسير المطولة مع المنذر بن عمرو من قومها بكتاب فيه نسخة الهدايا ، وقالت له انظر إليه فان نظر إليك نظر غضب فاعلم أنه ملك ، وإن رأيته بشا لطيفا ، فاعلم أنه نبي كريم فتفهم قوله ورد الجواب كما سمعت فانطلق الرسول بالهدايا ، وأقبل الهدهد نحو سليمان مسرعا يخبره الخبر فأمر سليمان أن يضربوا لبنات الذهب والفضة وأن يبسطوها من موضعه الذي هو فيه إلى تسعة فراسخ وأن يجعلوا الميدان حائطا من الذهب والفضة ، وجلس هو في الميدان وحوله الجن والإنس والشياطين والطير والوحش ، فلما دنا الرسل ونظروا إلى ما نظروا وبهتوا ورأوا الدواب تروث على اللبن من الذهب والفضة الذي بسطوه في طريقهم فرموا بما معهم من أربع لبنات حياء مما رأوا (١).
(فَلَمَّا جاءَ سُلَيْمانَ قالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمالٍ فَما آتانِيَ اللهُ خَيْرٌ مِمَّا آتاكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ (٣٦))
(فَلَمَّا جاءَ) الرسول ومن معه (سُلَيْمانَ) نظر إليهم بوجه حسن وقال ما وراءكم فأخبر الخبر وأعطى كتابها فنظر فيه وعرف الهدايا وأروه إياها (قالَ) سليمان (أَتُمِدُّونَنِ بِمالٍ) أي أتزادونني بشيء حقير عندي ، وهو متاع الدنيا الدنية ، قرئ بنون واحدة مشددة مع الياء ، وبنونين بالتخفيف مع الياء في الوصل والوقف ، وبغيرها فيهما وبها في الأول (٢)(فَما آتانِيَ اللهُ) من النبوة والملك والغنا والوسع (خَيْرٌ مِمَّا آتاكُمْ) من الدنيا لأنكم تفتخرون بزخارفها فرد الهدية عليهم وذكر الفاء دون الواو دليل على أن بلقيس لم تعرف ما آتاه الله سليمان من النبوة والملك ، قوله (بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ) [٣٦] إضراب عن الإنكار عليهم ببيان سبب حملهم على إمداده بمال أن أنتم تفرحون بشيء من الدنيا وتحزنون عليه ، ولا حاجة لي إليه بل حاجتي إلى إيمان قومكم وترك المجوسية ، والهدية اسم للشيء المعطى بالرفق والتلطف ، تضاف تارة إلى المهدي وتارة إلى المهدى إليه.
(ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لا قِبَلَ لَهُمْ بِها وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْها أَذِلَّةً وَهُمْ صاغِرُونَ (٣٧))
ثم قال لأمير المرسلين إليه (٣)(ارْجِعْ إِلَيْهِمْ)(٤) بالهدية فان لم يحضروني (٥) مسلمين (فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لا قِبَلَ لَهُمْ
__________________
(١) اختصره المؤلف من البغوي ، ٤ / ٣٠٢ ـ ٣٠٣ ؛ وانظر أيضا الكشاف ، ٤ / ١٩٩. وقال الآلوسي في تفسيره : «وكل ذلك أخبار لا يدرى صحتها ولا كذبها ، ولعل في بعضها ما يميل القلب إلي القول يكذبه والله تعالى أعلم». انظر روح المعناني ، ١٩ / ٢٠٠. وقد ذكر مثل هذه الروايات في التورية ، انظر ، ١. قراللر RALLARIK.I ، ١٠ / ١ ـ ١٠.
(٢) «أتمدونن» : قرأ المدنيان وأبو عمرو وباثبات الياء وصلا ، وابن كثير وحمزة ويعقوب باثباتها في الحالين إلا أن حمزة ويعقوب يدعمان النون الأولى في الثانية مع المد المشبع وصلا ووقفا ، والباقون بحذفها في الحالين. البدور الزاهرة ، ٢٣٦.
(٣) ثم قال لأمير المرسلين إليه ، ح ي : ـ و.
(٤) قاله لأمير المرسلين إليه أي ارجع إليهم ، + و.
(٥) يحضروني ، ح ي : تحضروني ، و.