بِها) أي لا مقابلة ولا مقاومة لهم بها إن لم يأتوني مسلمين (وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْها) أي من مدينة سبأ (أَذِلَّةً وَهُمْ صاغِرُونَ) [٣٧] الذل ذهاب العز والملك ، والصغار الأسر والاستعباد ، فلما رجع الرسول إليها بخبر سليمان عرفت أنه ليس بملك وجعلت سريرها داخل سبعة أبواب وأغلقت الأبواب وجعلت عليها حرسا وارتحلت إلى سليمان في اثني عشر ألف قيل ، مع كل قيل ألوف كثيرة ، وجلس سليمان يوما قبل قدومها على سريره فرأى على فرسخ عنه جمعا كثيرا يجيئون ، فقال ما هذا السواد؟ قالوا : بلقيس بجنودها.
(قالَ يا أَيُّهَا الْمَلَؤُا أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِها قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (٣٨))
(قالَ) لجلسائه (يا أَيُّهَا الْمَلَؤُا أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِها قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ) [٣٨] أراد أن يأخذ سريرها قبل أن تسلم لعلمه أنها إذا أسلمت لم يحل له أخذ مالها ، وقيل : أراد أن يطلعها على عظيم قدرة الله في يده وعلى ما يشهد لنبوته فتصدقها فتسلم (١).
(قالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ (٣٩))
(قالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ) أصله عفري زيدت التاء فيه للمبالغة ، وهو الفائق منهم وهو الخبيث المارد الذي يعفر أقرانه ، والعفر التراب وكان اسمه كوذى يضع قدمه عند منتهى طرفه (أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقامِكَ) أي من مجلس قضائك ، وكان يجلس (٢) إلى نصف النهار أو قبل أن تصل بلقيس إليك إن شئت (وَإِنِّي عَلَيْهِ) أي على حمله واتيانه إليك (لَقَوِيٌّ أَمِينٌ) [٣٩] على ما فيه من الجواهر وغيرها كما هو من غير تبديل بغيره ، فقال سليمان (٣) أريد أسرع من ذلك.
(قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قالَ هذا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ (٤٠))
(قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ) المنزل وهو علم الوحي ، وقيل : هو اللوح والقائل جبرائيل عند المعتزلة (٤) ، وقال أهل السنة : هو آصف بن برخيا كاتب سليمان وكان صديقا عالما يعلم اسم الله الأعظم (٥) ، وهو «يا حي يا قيوم» (٦) ، وقيل : «يا ذا الجلال والإكرام (٧) ، وكان بينه وبين عرشها مقدار شهرين (أَنَا آتِيكَ بِهِ) أي بعرشها (قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ) وهو النظر ، وفي الأصل تحريك الأجفان فوضع في موضعه ، والمعنى : أنك ترسل طرفك إلى شيء فقبل أن ترده أبصرت العرش بين يديك ، فقال له سليمان لقد أسرعت إن فعلت ذلك ، فقال آصف : أرسل طرفك فنظر نحو اليمن فدعا آصف فغار الكرسي تحت الأرض وظهر عند مجلس سليمان بالشام بقدرة الله تعالى قبل أن يرجع إليه طرفه (فَلَمَّا رَآهُ) أي رأى سليمان السرير (مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ) أي ثابتا بلا شبهة لديه ، وقيل : انعدم في مكانه ثم حدث عند سليمان مثله باذن الله تعالى (٨)(قالَ) سليمان (هذا مِنْ فَضْلِ رَبِّي) أي حصول مرادي من إحسانه إلي (لِيَبْلُوَنِي) أي ليختبرني (أَأَشْكُرُ) على مجيء السرير إلي (٩)(أَمْ أَكْفُرُ) بنعمته علي (وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ) لأن نفع شكره عائد إليه (وَمَنْ كَفَرَ) بترك الشكر على نعمته (فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ) عن شكره (كَرِيمٌ) [٤٠] بالإنعام على الشاكر والكافر.
__________________
(١) أخذه المفسر عن الكشاف مختصرا ، ٤ / ٢٠٠ ؛ وانظر أيضا البغوي ، ٤ / ٣٠٥.
(٢) يجلس ، و : ـ ح ي.
(٣) سليمان ، ح ي : ـ و.
(٤) نقل المؤلف هذا الرأي عن السمرقندي ، ٢ / ٤٩٦ ؛ وانظر أيضا الكشاف ، ٤ / ٢٠٠ ، ٢٠١.
(٥) اختصره من السمرقندي ، ٢ / ٤٩٦ ؛ والبغوي ، ٤ / ٣٠٦ ؛ والكشاف ، ٤ / ٢٠٠.
(٦) عن الكلبي ، انظر البغوي ، ٤ / ٣٠٦ ـ ٣٠٧.
(٧) عن مقاتل ، انظر البغوي ، ٤ / ٣٠٦ ؛ وانظر أيضا السمرقندي ، ٢ / ٤٩٦ ؛ والكشاف ، ٤ / ٢٠٠.
(٨) أخذ المصنف هذا الرأي عن البغوي ، ٤ / ٣٠٦.
(٩) إلي ، وي : ـ ح.