(قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ ساقَيْها قالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوارِيرَ قالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (٤٤))
(قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ) أي في الصرح وهو القصر ، وقيل : صحن الدار (١)(فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً) أي ماء عظيما (وَكَشَفَتْ عَنْ ساقَيْها) وروي بالهمز (٢) ، والمعنى : أنها رفعت ثيابها حتى بدت رجلاها فرآها سليمان أحسن الناس قدما ، لكن وجد عليهما (٣) شعرا فصرف وجهه عنها ، ثم (قالَ) سليمان (إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ) مملس (مِنْ قَوارِيرَ) وليس بماء حقيقة ، ودعاها إلى الإسلام فأجابت بأن (قالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي) بعبادة غيرك (وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمانَ) أي على يده أو أخلصت ديني معه بالتوحيد (لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) [٤٤] وأراد أن يتزوجها فكره شعر ساقها فعملت لها الشياطين بأمره النورة ، وهو سبب اتخاذ النورة فأزالته فتزوجها وأحبها حبا شديدا وأقرها على ملكها ، روي : «أنها ولدت له داود بن سليمان بن دواد» (٤) ، وهي من أزواج سليمان في الجنة (٥).
(وَلَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً أَنِ اعْبُدُوا اللهَ فَإِذا هُمْ فَرِيقانِ يَخْتَصِمُونَ (٤٥))
ثم عطف على قوله (وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ وَسُلَيْمانَ) قوله (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً أَنِ اعْبُدُوا اللهَ) أي بأن وحدوه وأطيعوه (فَإِذا هُمْ فَرِيقانِ) أي خصمان فريقان مؤمن وكافر ، قيل : المراد صالح وقومه الذين لم يؤمنوا به (٦)(يَخْتَصِمُونَ) [٤٥] وصف ل (فَرِيقانِ) واختصامهم قول كل واحد منهما الحق معي.
(قالَ يا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ لَوْ لا تَسْتَغْفِرُونَ اللهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (٤٦))
(قالَ) صالح (يا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ) أي بالعقوبة التي وعدتم بها (قَبْلَ الْحَسَنَةِ) أي التوبة ، وإنما قال ذلك لهم لاعتقادهم من الجهل أن التوبة تنفعهم (٧) عند نزول العذاب فيصرون على الكفر لأنه محتمل ، فأشار صالح إلى جهلهم وخطئهم فيما اعتقدوا وقالوا بقوله (لَوْ لا) أي هلا (تَسْتَغْفِرُونَ اللهَ) من كفركم قبل نزول العذاب بكم (لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) [٤٦] فيرفع العذاب عنكم إذا نزل بكم.
(قالُوا اطَّيَّرْنا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ قالَ طائِرُكُمْ عِنْدَ اللهِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ (٤٧))
(قالُوا اطَّيَّرْنا) أي تشأمنا (بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ) من المؤمنين لأنه أصابنا القحط بسببكم (قالَ) صالح (طائِرُكُمْ) أي ما يصيبكم من القحط وغيره (عِنْدَ اللهِ) يعني لا يأتي بالخير والشر إلا هو ، وسمي العذاب طائرا لسرعة نزوله (بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ) [٤٧] أي تعذبون بذنوبكم أو (٨) يفتنكم الشيطان بوسوسته.
(وَكانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ (٤٨))
قوله (وَكانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ) بيان لسبب نزول العذاب ، والمدينة هي الحجر والرهط ما دون العشرة ليس فيهم امرأة ، وهو جمع لا واحد له ولذا أضيف إليه التسعة وميزت به بمنزلة تسعة رجال (يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ) أي يعملون (٩) بأنواع المعاصي (وَلا يُصْلِحُونَ) [٤٨] أصلا ، أي شأنهم الإفساد ، وهم الذين سعوا في عقر الناقة ، وفيهم قدار بن سالف عاقر الناقة ومصداع بن دهر ، وكانا قد قعدا لها فلما مرت بهما رماها مصداع بسهم وعقرها قدار ثم سلخوها واقتسموا لحمها ، فأوعد لهم صالح الهلاك وبين لهم العلامة بتغير ألوانهم ، فاجتمع التسعة وتحالفوا (١٠) على فتك صالح وقومه.
__________________
(١) أخذه عن البغوي ، ٤ / ٣٠٩.
(٢) «ساقيها» : قرأ قنبل بهمزة ساكنة ، وغيره بالألف. البدور الزاهرة ، ٢٣٦.
(٣) عليهما ، و : عليها ، ح ي.
(٤) عن مقاتل ، انظر السمرقندي ، ٢ / ٤٩٨.
(٥) نقله المؤلف عن السمرقندي ، ٢ / ٤٩٨.
(٦) أخذه المؤلف عن الكشاف ، ٤ / ٢٠٢.
(٧) تنفعهم ، ي : ينفعهم ، ح و.
(٨) أو ، ح و : أي ، ي.
(٩) أي يعملون ، ح : ـ وي.
(١٠) وتحالفوا ، ح : وتخالفوا ، ي ، ـ و.