يستوجبون عليه من الجزاء.
(مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ (٨٩))
ولخص ذلك بقوله (مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ) أي كلمة الشهادة (فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها) ثوابا بالتضاعف (وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ) [٨٩] بالتنوين (١) وهو خوف العذاب الشديد وهو النار ، فالتنوين للتعظيم أو للقلة ، أي من فزع ما أو بالإضافة للتخصيص كما مر من خزي (٢) يومئذ في هود.
(وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلاَّ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٩٠))
(وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ) بالشرك بالله (فَكُبَّتْ) أي ألقيت (وُجُوهُهُمْ) الوجه يعبر عن الجملة كالرأس والرقبة والكب الإلقاء ، أي ألقوا (فِي النَّارِ) منكوسين فيقال تبكيتا لهم (هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) [٩٠] من المعاصي كالشرك وغيره.
(إِنَّما أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَها وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (٩١))
ثم أمر الله رسوله بأن يقول ترغيبا في التوحيد ونفي الشرك بقوله (٣)(إِنَّما أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هذِهِ الْبَلْدَةِ) أي أن أخص الله وحده بالعبادة ولا أتخذ له شريكا كما فعلتم يا قريش ، والمراد بهذه البلدة مكة ، قوله (الَّذِي حَرَّمَها) نعت (رَبَّ) المضاف ، أي جعلها حرما آمنا لا يسفك فيها دم الإنسان ولا يظلم أحد ولا يصاد صيدها ولا يختلى خلاؤها ، أي لا يقطع نباتها ولا يعضد شجرها والملتجئ إليها آمن (وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ) أي شيء داخل تحت ملكوته وربوبيته كدخول مكة تحتهما ، يعني كل شيء في حكمه وإرادته يفعله كيف يشاء ويحكم عليه كيف يريد (وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ) واحدا (مِنَ الْمُسْلِمِينَ) [٩١] عابدا له.
(وَأَنْ أَتْلُوَا الْقُرْآنَ فَمَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَقُلْ إِنَّما أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِينَ (٩٢))
(وَأَنْ أَتْلُوَا الْقُرْآنَ) عليكم وأتبع ما أنزل علي من الوحي (فَمَنِ اهْتَدى) باتباعه إياي في الإسلام والتوحيد وتلاوة القرآن والعمل به (فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ) أي فثوابه لها (وَمَنْ ضَلَّ) أي من لم يتبعني في ذلك (فَقُلْ) لا علي ، لأنه قال لي قل (إِنَّما أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِينَ) [٩٢] أي رسول منذر وما على الرسول إلا البلاغ المبين (٤) ، قيل : نسخ بآية السيف (٥).
(وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آياتِهِ فَتَعْرِفُونَها وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (٩٣))
(وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ) أي أمر لي أن أحمد الله ما رزقني من نعمة النبوة التي لا يقابلها نعمة وأن أقول (سَيُرِيكُمْ) الله (آياتِهِ) التي تلجئكم إلى المعرفة والإقرار بأنها آيات الله حين لا تنفعهم (٦) المعرفة والتوبة ، يعني في الآخرة أو في الآفاق أو في أنفسكم كانشقاق القمر والدخان وما حل بهم من النقمات في الدنيا كالقحط والنقل أو فتح مكة (فَتَعْرِفُونَها) أي ستعرفون (٧) دلائل الوحدانية ثم صدق نبوتي هنا ، قوله (وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ) عن ما (تَعْمَلُونَ) [٩٣] بالتاء والياء (٨) ، وعيد للظالم وتعزية للمظلوم ، أي يعلم الله كل عمل تعملون لا يغفل عنه ، لأن الغفلة والسهو لا يجوزان على العالم بالذات.
__________________
(١) فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ» : قرأ الكوفيون بتنوين «فزع» ، وغيرهم بترك التنوين ، وكسر ميم «يومئذ» المكي والبصريان والشامي ، وفتحها غيرهم ، وإذا نظرنا إلى الكلمتين مجتمعتين يكون فيهما ثلاث قراءات ، حذف تنوين «فزع» وفتح ميم «يومئذ» للمدنيين ، وحذف التنوين مع كسر الميم للمكي والبصريين والشامي ، والتوين مع الفتح للكوفيين. البدور الزاهرة ، ٢٣٨ ـ ٢٣٩.
(٢) خزي ، ح ي : عذاب ، و.
(٣) بقوله ، و : ـ ح ي.
(٤) المبين ، ح : ـ وي.
(٥) نقله عن البغوي ، ٤ / ٣٢٥ ؛ وانظر أيضا هبة الله ابن سلامة ، ٧٢ ؛ وابن الجوزي ، ٤٦.
(٦) تنفعهم ، وي : ينفعهم ، ح.
(٧) ستعرفون ، وي : فستعرفون ، ح.
(٨) «تعملون» : قرأ بالخطاب المدنيان والشامي وحفص ويعقوب ، وبالغيبة غيرهم. البدور الزاهرة ، ٢٣٩.