(أم ما ذا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) [٨٤] أي أي عمل منعكم عن الإيمان ولم تعملوا سوى التكذيب بآياتي ورسلي مكان الإيمان بهما متصل بما قبله ، لأنه استفهام على سبيل التوبيخ وتبكيت بالحجة وإعلام لهم أنه عالم بأنهم لم يعملوا في الدنيا إلا تكذيب الآيات والكفر بها فلا يقدرون أن يقولوا صدقنا بآياتك فتعين التكذيب.
(وَوَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ بِما ظَلَمُوا فَهُمْ لا يَنْطِقُونَ (٨٥))
(وَوَقَعَ الْقَوْلُ) أي نزل العذاب (عَلَيْهِمْ بِما ظَلَمُوا) من ترك الإيمان (فَهُمْ لا يَنْطِقُونَ) [٨٥] بحجة واعتذار ، لأن العذاب الموعود شغلهم عن النطق (١) أو لختم (٢) أفواههم وهذا قبل كبهم في النار.
(أَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهارَ مُبْصِراً إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (٨٦))
(أَلَمْ يَرَوْا) أي ألم ينظر أهل مكة نظر اعتبار (أَنَّا جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ) سكون راحة (وَ) جعلنا (النَّهارَ مُبْصِراً) أي ليبصروا به طرق التجارة والكسب ، ففي المعنى روعي التقابل في التعليل ، وقيل : معنى «مبصرا» واضحا يبصر فيه الأشياء ، جعل الإبصار للنهار وهو لأهله (٣)(إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ) أي لعبرات (لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) [٨٦] أي يصدقون بصحة الاعتبار.
(وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلاَّ مَنْ شاءَ اللهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ داخِرِينَ (٨٧))
(وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ) أي خاف من هيبته ولم يقل فيفزع لكون الفعل المستقبل من الله متيقن الوقوع كتيقن الماضي من غيره ، وقيل : المراد من الفزع فزع الصعق وهو الموت (٤) ، أي مات من شدة النفخة الأولى جميع الخلائق ، يعني (مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ) والثانية للقيام لرب العالمين (إِلَّا مَنْ شاءَ اللهُ) أي إلا من ثبت الله قلبه ، وهم الشهداء لأنهم أحياء عند ربهم أو الملائكة المقربون وهي الأربعة المشهورة ثم يموتون بعد ذلك ، وقيل : «حملة العرش وخزنة الجنة والنار والحور» (٥) ، وقيل : «موسى عليهالسلام ، لأنه صعق مرة» (٦) ، فاكتفي بها (وَكُلٌّ أَتَوْهُ) بالقصر (داخِرِينَ) [٨٧] أي جميع الخلائق جاؤا أمر الله وأجابوه صاغرين ، والجمع بالنظر إلى معنى ال «كل» وقرئ «آتوه» بالمد وضم التاء (٧) جمع اسم الفاعل مع الإضافة ، ومعنى الاتيان حضورهم الموقف بعد النفخة الثانية.
(وَتَرَى الْجِبالَ تَحْسَبُها جامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ صُنْعَ اللهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِما تَفْعَلُونَ (٨٨))
(وَتَرَى الْجِبالَ تَحْسَبُها جامِدَةً) أي غير زائلة عن مكانها في عين الناظر حال عن (الْجِبالَ) ، قوله (وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ) حال ثانية من «ها» في (تَحْسَبُها) لا من (جامِدَةً) لفساد المعنى ، لأنها لا تكون جامدة مارة أي إذا رأيت الجبال وقت النفخة الأولى ظننتها ثابتة في مكان واحد لعظمتها ، وهي منقلعة من الأرض إلى السماء تسير حقيقة سيرا سريعا كسير السحاب لا تكاد (٨) تتبين حركتها ، قوله (صُنْعَ اللهِ) مصدر عامله (صُنْعَ) بدلالة مرورها كمر السحاب ، أي صنع ذلك صنعا الله (الَّذِي أَتْقَنَ) أي أحكم (كُلَّ شَيْءٍ) أي خلقه (٩) بعلمه وحكمته فيكون متقنا لا واهيا ، قيل : مقابلته الحسنة بالثواب والسيئة بالعقاب من جملة إحكامه للأشياء وإتقانه لها وإجرائه لها على مقتضى الحكمة (١٠)(إِنَّهُ خَبِيرٌ بِما تَفْعَلُونَ) [٨٨] بالتاء والياء (١١) ، أي عالم بما يفعل العباد وبما
__________________
(١) عن النطق ، و : من النطق ، ح ي.
(٢) لختم ، وي : يختم ، ح.
(٣) نقل المفسر هذا المعنى عن الكشاف مختصرا ، ٤ / ٢١١.
(٤) لعل اختصره المؤلف من السمرقندي ، ٢ / ٥٠٦ ؛ والكشاف ، ٤ / ٢١١.
(٥) عن الضحاك ، انظر الكشاف ، ٤ / ٢١١.
(٦) عن جابر ، انظر الكشاف ، ٤ / ٢١١.
(٧) «أتوه» : قرأ حفص وخلف وحمزة بقصر الهمزة وفتح التاء ، والباقون بمد الهمزة وضم التاء. البدور الزاهرة ، ٢٣٨.
(٨) تكاد ، ح و : يكاد ، ي.
(٩) أي خلقه ، ح : خلقه ، وي.
(١٠) نقل المؤلف هذا المعنى عن الكشاف ، ٤ / ٢١٢.
(١١) «تفعلون» : قرأ ابن كثير وهشام والبصريان بياء الغيبة ، والباقون بتاء الخطاب. البدور الزاهرة ، ٢٣٨.