عن آيات القرآن عن الشرك إلى الإيمان ولكن عليك الدعوة والله يهدي من يشاء ، فالمعنى : أنهم لا ينتفعون بأسماعك القرآن إياهم فكأنهم فقدوا آذان السماع ولا يهتدون الطريق الواضح حيث يضلون عن سبيل الهداية ، فكأنهم نزعت الأبصار عنهم (إِنْ) أي ما (تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآياتِنا) أي من يصدق القرآن أنه من الله (فَهُمْ مُسْلِمُونَ) [٨١] أي مخلصون في إيمانهم.
(وَإِذا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كانُوا بِآياتِنا لا يُوقِنُونَ (٨٢))
(وَإِذا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ) وهو ما وعد به الناس من قيام الساعة والعذاب ، وسماه قولا مع كونه متصورا في النفس قبل ظهوره لأنه يؤدي بالقبول ، ومعنى وقوعه حصوله ، والمراد ظهور أشراط الساعة وعلاماتها حين لا ينفع التوبة (أَخْرَجْنا لَهُمْ دَابَّةً) أي الجساسة (مِنَ الْأَرْضِ) قال صلىاللهعليهوسلم : «تخرج من الصفا أول ما يبدو رأسها فيبلغ السحاب فيراه أهل المشرق والمغرب» (١) ، وإنها ذات وبر وريش لا يدركها طالب ولا يفوتها هارب ، وقيل : من تهامة (٢) ، وقيل : «من بحر سدوم» (٣) ، روي : أنها تخرج ثلاث خرجات ، خرجة بأقصى اليمن ثم تمكن زمانا ثم تخرج من مكة ثم تمكن دهرا طويلا ثم تخرج من ناحية المسجد ما بين الركن الأسود إلى باب بني مخزوم فيهولهم هذا الخروج فيهرب قوم ويقف قوم ينظرون إليها (٤)(تُكَلِّمُهُمْ) بلسان العربية تقول (٥)(أَنَّ النَّاسَ) بكسر «إن» وفتحها (٦)(كانُوا بِآياتِنا لا يُوقِنُونَ) [٨٢] أي بخروجي لأنه ما الآيات وتقول (٧) ألا لعنة الله على الظالمين وقولها حكاية لقول الله تعالى أو التقدير : بآيات ربنا فتدخل عليهم وهم يفرون عنها إلى المساجد ، فتقول : أترون أن المساجد تنجيكم (٨) مني ، وقيل : «تكلمهم ببطلان الأديان سوى دين الإسلام» (٩) ، وقرأ ابن عباس «تكلمهم» (١٠) ، أي تجرحهم وتأكلهم من الكلم وهو الجرح (١١) ، وقيل : جرحها قولها للمؤمن يا مؤمن وللكافر يا كافر (١٢) ، وروي : «أنها تخرج معها عصا موسى وخاتم سليمان عليهماالسلام فتجلو وجه المؤمن بالعصا وتختم أنف الكافر بالخاتم» (١٣) ، فيكون الجرح وسما لهما ثم عادت إلى مكانها ثم تزلزلت الأرض في ذلك اليوم في ست ساعات فيمسون خائفين ، فاذا أصبحوا جاءهم الصريخ لأن الدجال قد خرج.
(وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآياتِنا فَهُمْ يُوزَعُونَ (٨٣))
(وَيَوْمَ نَحْشُرُ) أي اذكر يوم نجمع للحشر (مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً) أي جماعة كثيرة ، والمراد الرؤساء (مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآياتِنا) أي القرآن و «من» الأولى تبعيض والثانية تبيين ، لأن جميع الكفار مكذبون (فَهُمْ يُوزَعُونَ) [٨٣] أي الرؤساء يجمعون ويسارعون بين أيدي أممهم إلى الموقف.
(حَتَّى إِذا جاؤُ قالَ أَكَذَّبْتُمْ بِآياتِي وَلَمْ تُحِيطُوا بِها عِلْماً أَمَّا ذا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٨٤))
(حَتَّى إِذا جاؤُ) مكان الحساب (قالَ) الله تعالى تهديدا لهم (أَكَذَّبْتُمْ بِآياتِي وَ) الحال أنكم (لَمْ تُحِيطُوا بِها) أي بآياتي (عِلْماً) وهو نصب على التمييز ، والمعني من الاستفهام التقرير والمراد به المناقشة في الحساب ، أي أنكم كذبتم بها بادئ الرأي من غير نظر وفكر يؤدي إلى إحاطة العلم بأنها حقيقة بالصدق أو بالكذب ، قوله
__________________
(١) انظر السمرقندي ، ٢ / ٥٠٥. ولم أعثر عليه في كتب الأحاديث الصحيحة التي راجعتها.
(٢) عن ابن عباس ، انظر القرطبي ، ١٣ / ٢٣٧.
(٣) عن وهب بن منبه ، انظر القرطبي ، ١٣ / ٢٣٧.
(٤) نقله المفسر عن البغوي مختصرا ، ٤ / ٣١٩.
(٥) تقول ، وي : يقول ، ح.
(٦) «أَنَّ النَّاسَ» : فتح الهمزة يعقوب والكوفيون ، وكسرها غيرهم. البدور الزاهرة ، ٢٣٨.
(٧) تقول ، وي : يقول ، ح.
(٨) تنجيكم ، وي : ينجيكم ، ح.
(٩) عن السدي ، انظر البغوي ، ٤ / ٣١٨ ؛ وانظر الكشاف ، ٤ / ٢١٠.
(١٠) انظر البغوي ، ٤ / ٣١٨ ؛ والكشاف ، ٤ / ٢١٠.
(١١) أخذه المصنف عن الكشاف ، ٤ / ٢١٠.
(١٢) أخذه المؤلف عن البغوي ، ٤ / ٣١٩.
(١٣) عن أبي هريرة ، انظر السمرقندي ، ٢ / ٥٠٥ ؛ وانظر أيضا البغوي ، ٤ / ٣١٩.