والمائدة (١) ، فأمره أن يقول إنما الآيات في قدرته ينزلها إذا شاء كيف شاء (٢) وليس بيدي شيء (وَإِنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ) [٥٠] كلفت الإنذار وإبانته بالدلائل الواضحة وليس لي أن أقول الله أنزل علي آية كذا دون آية.
(أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ يُتْلى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (٥١))
(أَوَلَمْ) أي أيطلبون (٣) آية على صدقك ولم (يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ) أي القرآن (يُتْلى عَلَيْهِمْ) يصدقك ويثبت حجتك وهو أعظم الآيات يغني عن سائر الآيات ، لأنه ثابت على مرور الأيام وغيره من الآيات انعدمت (إِنَّ فِي ذلِكَ) أي القرآن الموجود في كل مكان وزمان إلى آخر الدهر (لَرَحْمَةً) أي لنعمة عظيمة (وَذِكْرى) أي تذكرة (لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) [٥١] به ، وقيل : نزلت هذه الآية في أناس من المسلمين أتوا بمكتوب فيه بعض ما يقول اليهود ، فلما نظر النبي عليهالسلام إليه ألقاه وقال : «كفى حماقة قوم أن يرغبوا عما جاءهم به نبيهم إلى ما جاء به غير نبيهم» (٤).
(قُلْ كَفى بِاللهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيداً يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْباطِلِ وَكَفَرُوا بِاللهِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (٥٢))
(قُلْ كَفى بِاللهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيداً) نزل حين لم يصدق أهل مكة وكعب بن الأشرف من اليهود وكان قدم مكة من الطائف ، وقالوا من يشهد لك أنك رسول الله بالقرآن إن لم نشهد لك (٥) ، فأمره الله تعالى بأن يقول (كَفى بِاللهِ) إلى آخره ، أي يشهد الله لي بالبلاغ والتصديق وعليكم بالتكذيب عند التبليغ (يَعْلَمُ) الله (ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) فهو مطلع على أمري وأمركم وعالم بحقي وباطلكم (وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْباطِلِ) منكم ، أي بالأصنام (وَكَفَرُوا بِاللهِ) أي جحدوا بتوحيده (أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ) [٥٢] أي المغبونون في صفقتهم حيث اشتروا الكفر بالإيمان.
(وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ وَلَوْ لا أَجَلٌ مُسَمًّى لَجاءَهُمُ الْعَذابُ وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (٥٣))
ونزل حين قالوا ائتنا بعذاب الله قوله (٦)(وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ وَلَوْ لا أَجَلٌ مُسَمًّى) في اللوح ، أي لو لا الوقت الذي عين أنهم يعذبون فيه وهو الموت أو في بدر أو يوم القيامة (لَجاءَهُمُ الْعَذابُ) الذي استعجلوا مجيئه استهزاء منهم (وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ) العذاب في الأجل المسمى (بَغْتَةً) أي فجأة (وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) [٥٣] بمجيئه.
(يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ (٥٤))
(يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ) أي بنزوله (وَ) الحال (إِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ) [٥٤] أي سيحيط بهم.
(يَوْمَ يَغْشاهُمُ الْعَذابُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ وَيَقُولُ ذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٥٥))
(يَوْمَ يَغْشاهُمُ الْعَذابُ) أي محيطة بهم في الدنيا لاستحقاقهم إياه بسبب معاصيهم فيكون (يَوْمَ) منصوبا ب «محيطة» ، ويجوز قطع الكلام بالكافرين فيكون (يَوْمَ) منصوبا بمضمر على هذا ، أي يوم يغشيهم العذاب كان كيت وكيت (مِنْ فَوْقِهِمْ) أي يحيط بهم بعد البعث من فوقهم (وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ) كقوله (لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ)(٧)(وَيَقُولُ) بالنون والياء (٨) ، أي يقول الله لهم (ذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) [٥٥] أي عقوبته.
__________________
(١) هذا منقول عن الكشاف ، ٤ / ٢٥٠.
(٢) إذا شاء كيف شاء ، وي : إذا يشاء كيف يشاء ، ح.
(٣) أي أيطلبون ، وي : أي يطلبون ، ح.
(٤) أخذه المؤلف عن الكشاف ، ٤ / ٢٥١.
(٥) هذا منقول عن الكشاف ، ٤ / ٢٥١.
(٦) نقله عن السمرقندي ، ٢ / ٥٤١ ؛ وانظر أيضا البغوي ، ٤ / ٣٨٢ ؛ والكشاف ، ٤ / ٢٥١.
(٧) الزمر (٣٩) ، ١٦.
(٨) «وَيَقُولُ» : قرأ نافع والكوفيون بالياء التحتية ، والباقون بالنون. البدور الزاهرة ، ٢٤٦.