مختص بالإدراك حينئذ (وَأَنَّ اللهَ بِما تَعْمَلُونَ) بالتاء والياء (١)(خَبِيرٌ) [٢٩] أي بجميع أعمالكم فتؤمنون به وتعبدونه وحده.
(ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْباطِلُ وَأَنَّ اللهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (٣٠))
(ذلِكَ) أي المذكور من الدلالة على عظم قدرته (بِأَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ) الذي لا يجوز أن يعبد إلا هو بالألوهية (وَأَنَّ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ) من الآلهة هو (الْباطِلُ) أي باطل في الألوهية (٢)(وَأَنَّ اللهَ هُوَ الْعَلِيُّ) الشأن (الْكَبِيرُ) [٣٠] السلطان أو العلي الكبير عن أن يشرك به.
(أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللهِ لِيُرِيَكُمْ مِنْ آياتِهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (٣١))
(أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللهِ) أي برحمته وإحسانه (لِيُرِيَكُمْ مِنْ آياتِهِ) أي دلائله على الوحدانية (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ) على طاعته وبلائه (شَكُورٍ) [٣١] لنعمه وهما صفتا المؤمن العاقل.
(وَإِذا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلاَّ كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ (٣٢))
(وَإِذا غَشِيَهُمْ) أي غطى المشركين (مَوْجٌ كَالظُّلَلِ) لأن الموج يرتفع ويتراكب فيعود مثل الظلل وهي السحب ، والظلة كل ما أظلك من سحاب أو جبل أو غيرهما (دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ) أي إلى موضع القرار (فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ) أي متوسط في الظلم والكفر ، يعني انزجر بعض الانزجار فانحط عن علوه أو مقتصد في الإخلاص الذي كان عليه من الخوف في البحر ثابت على ما عاهد عليه الله فيه (وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا) الدالة على قدرتنا (إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ) أي غدار خداع ، والختر أشد الغدر (كَفُورٍ) [٣٢] للإحسان إليه.
(يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْماً لا يَجْزِي والِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جازٍ عَنْ والِدِهِ شَيْئاً إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللهِ الْغَرُورُ (٣٣))
(يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْماً) أي عذاب يوم (لا يَجْزِي) فيه ، أي لا يغني (والِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ) أي الولد (هُوَ جازٍ عَنْ والِدِهِ شَيْئاً) مما عليه من الدين أو العذاب ، وإنما جاء بالمعطوف جملة اسمية والمعطوف عليه جملة فعلية لأن الاسمية آكد من الفعلية ، إذ المقام مقام التوكيد ، قيل : هذا في الكفار خاصة ، وأما المؤمن فانه ينفع لقوله تعالى (أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ)(٣) ، أي بشرط الإيمان ، إذ لا ينفع المؤمن والده ولا ولده اللذين قبضا على الكفر بالشفاعة لهما (٤)(إِنَّ وَعْدَ اللهِ) أي البعث (حَقٌّ) كائن لا خلف فيه (فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا) أي زينتها لاطمئنان بها وترك العمل للآخرة (وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللهِ الْغَرُورُ) [٣٣] أي الشيطان المضل عن سبيل الله بتزيين (٥) أعمالكم الخبيثة لكم ، قيل : الغرة بالله أن يتمادى الرجل في المعصية ويتمنى على الله المغفرة (٦).
(إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ ما فِي الْأَرْحامِ وَما تَدْرِي نَفْسٌ ما ذا تَكْسِبُ غَداً وَما تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (٣٤))
قوله (إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ) الآية نزل حين سأل الحارث بن عمرو رسول الله أخبرني عن الساعة ، متى قيامها؟ وإني زرعت الأرض فمتى تمطر السماء ، وعن امرأتي أن ما في بطنها ذكر أو أنثى وإني علمت
__________________
(١) هذه القراءة مأخوذة عن السمرقندي ، ٣ / ٢٥.
(٢) أي باطل في الألوهية ، ح : أي باطل الألوهية ، وي.
(٣) الطور (٥٢) ، ٢١.
(٤) اختصره من السمرقندي ، ٣ / ٢٦.
(٥) بتزيين ، وي : بتزين ، ح.
(٦) عن سعيد بن جبير ، انظر الكشاف ، ٥ / ٢٤.