أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ) [٢٥] التوحيد ووجوبه عليهم ولا يتنبهون إذا نبهوا عليه.
(لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِنَّ اللهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (٢٦))
(لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أي له ما فيهما من الخلق لا شريك له فيه (إِنَّ اللهَ هُوَ الْغَنِيُّ) عن عبادة خلقه (الْحَمِيدُ) [٢٦] في فعاله.
(وَلَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ ما نَفِدَتْ كَلِماتُ اللهِ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٢٧))
قوله (وَلَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ) الاية نزل جوابا لليهود لما قالوا قد أوتينا التورية وفيها كل الحكمة فلا نحتاج إلى ما أنزل عليك (١) ، وقيل : نزل حين قال المشركون الوحي كلام سينفد (٢) ، أي سيفني وينقطع ، قوله (مِنْ شَجَرَةٍ) بالتنكير والإفراد ، أي من كل فرد من جنس الشجر حتى لا يبقى منه واحدة إلا وقد برئت أقلاما حال من (ما) التي هذ اسم (أَنَّ) و (أَقْلامٌ) خبر «أن» (وَالْبَحْرُ) بالنصب عطف على (ما) ، وبالرفع (٣) عطف على محل اسم (أَنَّ) أو مبتدأ ، وخبره (يَمُدُّهُ) والجملة حال على معنى ولو أن جميع الأشجار أقلام في حال كون البحر ممدودا سبعة أبحر ، أي وينصب في البحر (مِنْ بَعْدِهِ) أي من خلقه (سَبْعَةُ أَبْحُرٍ) ومياهها مداد فكتب بتلك الأقلام وذلك المداد (ما نَفِدَتْ كَلِماتُ اللهِ) أي متعلقات علمه بالكتبة ونفدت الأقلام والمداد ، قيل : أصل الكلام أن يقال ولو أن الشجرة أقلام والبحر مداد لكن ذكر «يمده» أغنى عن ذكر المداد لأنه من قولك مد الدواة إذا صب فيها مدادها (٤) ، وإنما لم يقل كلم الله إيذانا بأن القليل من كلامه تعالى لا تفي بكتبته البحار فكيف بالكثير لا يقال لا ضمير في جملة الحال لأنا نقول المعنى وبحرها والضمير للأرض أو هي من الأحوال التي حكمها حكم الظروف كقولهم جئتك والشمس طالعة (إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ) لا يعجزه شيء (حَكِيمٌ) [٢٧] لا يخرج من علمه شيء فلا ينفد كلماته وهي حكمه (٥).
(ما خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلاَّ كَنَفْسٍ واحِدَةٍ إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (٢٨))
(ما خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ) مع كثرتكم (إِلَّا كَنَفْسٍ) أي كخلق نفس (واحِدَةٍ) وبعثها بحذف المضاف ، أي سواء في قدرته القليل والكثير لأنه لا يشغله شأن عن شأن (إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ) يسمع كل صوت (بَصِيرٌ) [٢٨] يبصر كل مبصر لا يشغله إدراك بعضها عن إدراك (٦) بعض ، فكذلك الخلق والبعث.
(أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى وَأَنَّ اللهَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (٢٩))
(أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يُولِجُ) أي يدخل (اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ) أو ينقص كل واحد منهما بصاحبه (وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ) أي ذللهما لابن آدم فالله تعالى دل به على عظم قدرته وحكمته فقال مخاطبا لمحمد عليهالسلام والمراد غيره ، يعني ألم تعلم (٧) أن الله يدخل ظلمة هذا في مكان ضياء ذاك بمغيب الشمس ويدخل ضياء ذاك في مكان ظلمة (٨) هذا بطلوع الشمس أو يزيد أحدهما وينقص الآخر وسخر النيرين في فلكيهما (كُلٌّ يَجْرِي إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى) أي إلى مدة معلومة لا يتجاوزها فجميع ذلك على تقدير وحساب ، فدل بذكر (إِلى) على الانتهاء ، وإذا قصد الاختصاص يذكر باللام فيكون معنى يجري لأجل مسمى لإدراك أجل معلوم ، فالجري
__________________
(١) عن ابن عباس ، انظر الكشاف ، ٥ / ٢٢.
(٢) عن قتادة ، انظر السمرقندي ، ٣ / ٢٤ ؛ والبغوي ، ٤ / ٤١٥.
(٣) «وَالْبَحْرُ» : قرأ البصريان بنصب الراء ، والباقون برفعها. البدور الزاهرة ، ٢٥١.
(٤) نقله عن الكشاف ، ٥ / ٢٢.
(٥) حكمه ، وي : حكمته ، ح.
(٦) إدراك ، ح : ـ وي.
(٧) يعني ألم تعلم ، وي : يعني ألم يعلم ، ح.
(٨) ظلمة ، ح و : ـ ي.