النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدىً وَلا كِتابٍ مُنِيرٍ (٢٠))
(أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللهَ سَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ) أي الشمس والقمر والنجوم والسحاب وغير ذلك (وَما فِي الْأَرْضِ) من البحار والأنهار والمعادن والدواب وغير ذلك مما لا يحصى ، يعني ذلل لكم منافعها (وَأَسْبَغَ) أي أفضل وأسبل (عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ) جمعا لكثرتها ومفردا لإرادة الجنس (١) ، والنعمة هي ما قصد به الإحسان والنفع ، والله جل وعلا خلق العالم كله نعمة لنفع غيره لأنه غني لا يحتاج إلى المنافع ولا لغرض آخر لأنه عبث ، وهو عليه محال ، قوله (ظاهِرَةً وَباطِنَةً) حالان للنعمة ، والنعمة الظاهرة ما يعلم بالمشاهدة كحسن الصوت وامتداد القامة وتسوية الأعضاء أو هي البصر والسمع واللسان وسائر الجوارح الظاهرة والنعمة الباطنة المعرفة وما لا يعلم إلا بدليل أو ما لا يعلم أصلا وينتفع به (٢) ، فكم في بدن الإنسان من نعمة لا يعلمها ولا يهتدى إلى العلم بها كالستر والقلب والعقل والفهم والروح وما أشبه ذلك ، وقيل : الظاهرة الإعراض عن الدنيا والباطنة التوكل والثقة بالله (٣)(وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللهِ) أي في دينه (بِغَيْرِ عِلْمٍ) أي بالجهل وهو النضر بن الحارث (وَلا هُدىً) أي لا ببيان من الله (وَلا كِتابٍ مُنِيرٍ) [٢٠] أي مضيء له بالحجة.
(وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا ما أَنْزَلَ اللهُ قالُوا بَلْ نَتَّبِعُ ما وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا أَوَلَوْ كانَ الشَّيْطانُ يَدْعُوهُمْ إِلى عَذابِ السَّعِيرِ (٢١))
(وَإِذا قِيلَ لَهُمُ) أي لكفار مكة (اتَّبِعُوا ما أَنْزَلَ اللهُ قالُوا بَلْ نَتَّبِعُ ما وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا) فقال تعالى (أَوَلَوْ كانَ) أي أيتبعون (٤) ولو كان (الشَّيْطانُ يَدْعُوهُمْ إِلى عَذابِ السَّعِيرِ) [٢١] وهو في موضع الحال من ضمير الفاعل ، أي في حال دعاء الشيطان إياهم إلى العذاب.
(وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى وَإِلَى اللهِ عاقِبَةُ الْأُمُورِ (٢٢))
(وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللهِ) أي من يجعل ذاته سالما لله ، أي خالصا له (وَهُوَ مُحْسِنٌ) في عمله ، والمراد التوكل عليه والتفويض إليه (فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى) أي فقد اعتصم بأوثق عروة من حبل متين مأمون انقطاعه ، والمراد العهد المحكم وهو قول «لا إله إلا الله» (وَإِلَى اللهِ عاقِبَةُ الْأُمُورِ) [٢٢] أي هي صائرة إليه فيجزي كلا جزاءه.
(وَمَنْ كَفَرَ فَلا يَحْزُنْكَ كُفْرُهُ إِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ فَنُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (٢٣))
(وَمَنْ كَفَرَ فَلا يَحْزُنْكَ كُفْرُهُ) أي لا يهمنك كيده للإسلام فانا ندفع كيده في نحره ونعاقبه على عمله (إِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ) أي رجوعهم يوم القيامة (فَنُنَبِّئُهُمْ) أي نخبرهم ونجازيهم (بِما عَمِلُوا) في الدنيا من الجحود والمعاصي (إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) [٢٣] أي يعلم ما في صدور عباده فيفعل بهم على حسبه.
(نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلاً ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلى عَذابٍ غَلِيظٍ (٢٤))
(نُمَتِّعُهُمْ) زمانا (قَلِيلاً) بدنياهم (ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ) أي نلجئهم (إِلى عَذابٍ غَلِيظٍ) [٢٤] أي شديد لا يقدر على الانفكاك منه ، والغلظ يستعار من الأجرام الغليظة ، والمراد الشدة والثقل على المعذب.
(وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ (٢٥))
(وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ) أي أهل مكة (مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللهُ) أي ليقرون أن الله خلقهما ، قوله (قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ) إلزام لهم (٥) على إقرارهم بأن خالقهما هو الله وحده ، وحقيق بأن يحمد (٦) ويشكر له لا لغيره (بَلْ
__________________
(١) «نعمة» : قرأ المدنيان والبصري وحفص بفتح العين هاء مضمومة على التذكير والجمع ، والباقون باسكان العين وبعد الميم تاء منونة منصوبة على التأنيث والإفراد. البدور الزاهرة ، ٢٥١.
(٢) وينتفع به ، ح : وينفع به ، وي.
(٣) ولم أجد له أصلا في المصادر التي راجعتها.
(٤) أي أيتبعون ، ح ي : أي أيتبعونهم ، و.
(٥) لهم ، وي : ـ ح.
(٦) بأن يحمد ، وي : بأن يحمده ، ح.