لا يعلمه إلا هو (جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) [١٧] من الخير هنا ، قال صلىاللهعليهوسلم حكاية عن الله تعالى : «اعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر» (١).
(أَفَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً لا يَسْتَوُونَ (١٨))
قوله (٢)(أَفَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً) الإفراد فيه محمول (٣) على لفظ «من» ، وقوله (لا يَسْتَوُونَ) [١٨] جمع ، محمول على معناها ، أي لا يستوون عند الله ، وفيما أعد لهم يوم القيامة.
(أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوى نُزُلاً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (١٩))
ثم بين التفاوت (٤) بينهما فقال (أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَلَهُمْ) استحقاقا وتكرما من الله تعالى (جَنَّاتُ الْمَأْوى) سميت به لأن أرواح الشهداء تأوي إليها ، نزل في علي رضي الله عنه والوليد بن عقبة لما قال لعلي : اسكت فانك صبي حين وقع بينهما كلام في بدر ، وقال : أنا أجلد منك جلدا وأحد منك سنانا وأشجع منك جنانا وأدرب منك لسانا ، فقال علي : اسكت فانك فاسق (٥) ، فعمهما ومن في مثل حالهما قوله (نُزُلاً) مصدر ، والمراد ما يعد للضيف عند نزوله ثم صار عاما للعطاء (بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) [١٩] أي بسبب أعمالهم الصالحة.
(وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْواهُمُ النَّارُ كُلَّما أَرادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْها أُعِيدُوا فِيها وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (٢٠) وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذابِ الْأَدْنى دُونَ الْعَذابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (٢١))
(وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا) أي أشركوا بالله (فَمَأْواهُمُ النَّارُ) مكان جنة المأوى للمؤمنين (كُلَّما أَرادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْها) أي من النار (أُعِيدُوا فِيها) أي تضربهم الزبانية بمقامع من نار فتهوي بهم إلى قعرها (وَقِيلَ) أي يقولون (لَهُمْ ذُوقُوا عَذابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ) أي بعذابها (تُكَذِّبُونَ [٢٠] وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذابِ الْأَدْنى) أي الأقرب وهو عذاب الدنيا من القتل والأسر والجدب سبع سنين والأمراض (دُونَ) أي قبل (الْعَذابِ الْأَكْبَرِ) وهو عذاب النار أو الأدنى عذاب القبر والأكبر النار ، والمعنى : إنا نذيقهم عذاب الدنيا قبل أن يصلوا إلى عذاب الآخرة (لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) [٢١] أي يتوبون على الكفر باختيارهم إذا أراد الله ذلك أو من بقي منهم.
(وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْها إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ (٢٢))
(وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ) أي وعظ (بِآياتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْها) أي عن الآيات ، وجيء ب «ثم» للإيذان أن الإعراض عن الآيات بعد وضوحها وإرشادها إلى السبيل مستبعد في العقل (إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ) كلهم (مُنْتَقِمُونَ) [٢٢] أي منتصرون ولم يقل إنا منه ، لأنه لما جعله أظلم الظلمة ثم توعد للمجرمين عامة بالانتقام فقد دل على أن نصيب الأظلم من الانتقام هو النصيب الأوفر منه فلو قال منه لم يفد هذه الفائدة.
(وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ فَلا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقائِهِ وَجَعَلْناهُ هُدىً لِبَنِي إِسْرائِيلَ (٢٣))
(وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ) أي التورية (فَلا تَكُنْ) يا محمد (فِي مِرْيَةٍ) أي في شك (مِنْ لِقائِهِ) أي من لقاء (٦) الكتاب ، المعنى : آتينا موسى الكتاب (٧) ولقيناه فلا تكن في شك من أنك لقيت مثله من الوحي لا من غيره أو لا تشك يا محمد من لقاء موسى التورية فانا ألقينا عليه التورية ولقناه تلك كلها (وَجَعَلْناهُ) أي جعلنا (٨) الكتاب المنزل على موسى (هُدىً) لقومه ، أي جعل (لِبَنِي إِسْرائِيلَ) [٢٣] خاصة دون بني إسمعيل ، لأنهم كانوا على دين إبراهيم دون موسى.
__________________
(١) انظر السمرقندي ، ٣ / ٣١.
(٢) قوله ، وي : ـ ح.
(٣) محمول ، ح : ـ وي.
(٤) التفاوت ، وي : المتوافت ، ح.
(٥) عن ابن عباس ، انظر الواحدي ، ٢٩٢ ؛ وانظر أيضا السمرقندي ، ٣ / ٣١.
(٦) أي من لقاء ، و : ـ وي.
(٧) الكتاب ، و : ـ وي.
(٨) أي وجعلنا ، و : ح ي.