حق التأكيد في تأدية المعنى (١) أن يتبع المؤكد ، تقديره : سود غرابيب سود حذف الأول وأبقي (٢) الثاني ليدل عليه وإنما فعل ذلك لزيادة التأكيد في تأدية المعنى الواحد من طريقي الإظهار والإضمار جميعا ، والمعنى : من الجبال ذو جدد بيض وحمر وسود شديد السواد والغرض بيان اختلاف ألوان الجبال كاختلاف ألوان الثمرات.
(وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ كَذلِكَ إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ (٢٨))
(وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ) أي ومنهم بعض مختلف ألوانه فالموصوف محذوف (كَذلِكَ) أي كاختلاف ألوان الجبال والثمرات ، محله نصب صفة مصدر محذوف ، أي اختلافا كذلك ، فمن أدرك آثار صنعه واعتبر به وعرف خالقه وعظم قدره يخشاه بالاستدلال بها عليه وعلى صفاته ، فلذلك أتبعه قوله (إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ) أي العلماء بالله دون غيرهم وهم الذين علموه بصفاته وعدله وتوحيده وما يجوز عليه وما لا يجوز ، فعظموه حق عظمته وخشوه حق خشيته ، فمن ازداد علمه به ازداد خوفه منه ، قال صلىاللهعليهوسلم : «أعلمكم بالله أشدكم خشية» (٣) ، قيل : نزلت في أبي بكر رضي الله عنه وقد ظهرت عليه الخشية حتى عرفت فيه (٤) ، وتقديم اسم الله وتأخيره العلماء يدل على أن الذين يخشون الله من عباده هم العلماء دون غيرهم ، وإذا انعكس انقلب المعنى إلى أنهم لا يخشون إلا الله وهو خلاف الأول ، قوله (إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ) [٢٨] تعليل لوجوب الخشية ، أي عزيز على قهر عصاته غفور لذنوب مطيعيه فحقه أي يخشى.
(إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتابَ اللهِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجارَةً لَنْ تَبُورَ (٢٩))
(إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتابَ اللهِ) أي يديمون على تلاوة القرآن ويعملون بما فيه (وَأَقامُوا الصَّلاةَ) في مواقيتها (وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ) في طاعة الله (سِرًّا وَعَلانِيَةً) قوله (يَرْجُونَ تِجارَةً) خبر (إِنَّ) ، وال (تِجارَةً) طلب الثواب بالطاعة (لَنْ تَبُورَ) [٢٩] أي لن تهلك تلك التجارة في سبيل الله.
(لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ (٣٠))
قوله (لِيُوَفِّيَهُمْ) متعلق ب (لَنْ تَبُورَ) ، أي لا تكسد بل تنفق (٥) عند الله ليوفيهم بنفاقها عنده (أُجُورَهُمْ) وهي ثواب التلاوة والعمل بها سرا وعلانية (وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ) سوى ثوابها (إِنَّهُ غَفُورٌ) لهم ذنوبهم (شَكُورٌ) [٣٠] أي مثيب لأعمالهم.
(وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتابِ هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ إِنَّ اللهَ بِعِبادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ (٣١))
(وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتابِ) أي القرآن (هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً) حال مؤكدة (لِما بَيْنَ يَدَيْهِ) أي لما تقدمه من الكتب (إِنَّ اللهَ بِعِبادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ) [٣١] أي إنه عالم بحقيقة حالك بصير بأفعالك فرآك أهلا من بين العباد بوحي هذا الكتاب المعجز الشاهد على سائر الكتب.
(ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ بِإِذْنِ اللهِ ذلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (٣٢))
(ثُمَّ أَوْرَثْنَا) أي أعطينا (الْكِتابَ) أي القرآن بعد الوحي إليك (الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا) هم أمتك
__________________
(١) في تأدية المعنى ، ي : ـ ح و.
(٢) وأبقي ، وي : وبقي ، ح.
(٣) روى البخاري نحوه ، الأدب ، ٧٢ ؛ وانظر أيضا الكشاف ، ٥ / ٨٣.
(٤) قد أخذه المصنف عن الكشاف ، ٥ / ٨٣.
(٥) تنفق ، وي : ينفق ، ح.