عَذابِها) محل (عَنْهُمْ) رفع بأنه فاعل (يُخَفَّفُ (كَذلِكَ) أي مثل ذلك الجزاء (نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ) [٣٦] معلوما مع نصب «كل» ، أي نعاقب كل كافر بالله ، وقرئ مجهولا ورفع (كُلَّ)(١) ، أي يعذب الكافرون عذابا شديدا.
(وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيها رَبَّنا أَخْرِجْنا نَعْمَلْ صالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ ما يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ (٣٧))
(وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيها) أي يستغيثون في جهنم بالصياح مع شدة يقولون (رَبَّنا أَخْرِجْنا) منها (نَعْمَلْ صالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ) وفائدة الوصف بقوله (غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ) زيادة التحسر على ما عملوه من غير الصالح مع الاعتراف به لا أنهم يعملون عملا صالحا آخر غير ما عملوه من العمل الصالح ، ولأنهم كانوا يحسبون أنهم على سيرة صالحة كما قال تعالى (وَهُمْ يَحْسَبُونَ) أن (يُحْسِنُونَ صُنْعاً)(٢) ، ثم أجابهم الله بقوله توبيخا (أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ ما يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ) أي ألم نطل أعماركم وقتا يتذكر ، أي يتعظ فيه ويتوب من تذكر وتاب ، وهو ثماني عشرة سنة (٣) أو سبع عشرة (٤) أو ما بين البلوغ إلى الستين (٥)(وَ) قد (جاءَكُمُ النَّذِيرُ) وهو القرآن أو محمد أو الشيب ، وهو معطوف على معنى (أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ) ، أي قد عمرناكم وجاءكم النذير (فَذُوقُوا) العذاب (فَما لِلظَّالِمِينَ) أي الكافرين (مِنْ نَصِيرٍ) [٣٧] يدفعه.
(إِنَّ اللهَ عالِمُ غَيْبِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (٣٨))
(إِنَّ اللهَ عالِمُ غَيْبِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أي كل ما فيهما فيعلم أنهم لو ردوا إلى الدنيا لعادوا لما نهوا عنه ، قوله (إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) [٣٨] كالتعليل ، لأنه لو علم ما في الصدور علم كل غيب في العالم ، لأن ذلك أخفى ما يكون والمراد (بِذاتِ الصُّدُورِ) مضمراتها وهي تأنيث ذو بمعنى الصاحب ، يعني تصحب المضمرات الصدور وهي القلوب فهي معها.
(هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَلا يَزِيدُ الْكافِرِينَ كُفْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِلاَّ مَقْتاً وَلا يَزِيدُ الْكافِرِينَ كُفْرُهُمْ إِلاَّ خَساراً (٣٩))
(هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ) وهي جمع خليف ، أي قل يا محمد لكفار مكة الله الذي يخلف بعضكم بعضا وينزل منزله بعد موته (فِي الْأَرْضِ) أو المعنى : أنه جعلكم خلفاء في أرضه تملكون التصرف فيها ، وأباح لكم منافعها لتشكروه بالتوحيد والطاعة أو جعلكم خلفاءه لإقامة دينه (فَمَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ) أي وباله (وَلا يَزِيدُ الْكافِرِينَ كُفْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ) بطول عمرهم في الدنيا (إِلَّا مَقْتاً) أي بغضا شديدا (وَلا يَزِيدُ الْكافِرِينَ كُفْرُهُمْ إِلَّا خَساراً) [٣٩] أي خسار الآخرة الذي ليس بعده خسار وهو الغبن.
(قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكاءَكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ أَرُونِي ما ذا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّماواتِ أَمْ آتَيْناهُمْ كِتاباً فَهُمْ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْهُ بَلْ إِنْ يَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً إِلاَّ غُرُوراً (٤٠))
(قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكاءَكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ) أي تعبدون (مِنْ دُونِ اللهِ) يعني الأصنام ، وقوله (أَرُونِي) بدل من (أَرَأَيْتُمْ) ، لأنه معنى (أَرَأَيْتُمْ) أخبروني ، كأنه قال أخبروني من هؤلاء الشركاء (ما ذا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ) أي أي جزء من أجزاء الأرض استبدوا بخلقه دون الله ، والمراد من الاستفهام نفي ذلك كله (أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ) مع الله (فِي)
__________________
(١) «نَجْزِي كُلَّ» : قرأ أبو عمرو بالياء التحتية المضمومة وفتح الزاي وألف بعدها ورفع لام «كل» ، والباقون بالنون المفتوحة ، وكسر الزاي وياء ساكنة مدية بعدها ونصب لام «كل». البدور الزاهرة ، ٢٦٣.
(٢) الكهف (١٨) ، ١٠٤.
(٣) عن عطاء وقتادة والكلبي ، انظر البغوي ، ٤ / ٥٢٩.
(٤) هذا مأخوذ عن الكشاف ، ٥ / ٨٦.
(٥) ذكر مجاهد نحوه ، انظر الكشاف ، ٥ / ٨٦.