خلق (السَّماواتِ) يعينونه فيه (أَمْ آتَيْناهُمْ كِتاباً) أي أم معهم كتاب أتيناه إياهم ينطق بأنهم شركاؤه (فَهُمْ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْهُ) أي على حجة وبرهان من ذلك الكتاب يريد أنهم ليسوا عل بيان منه (بَلْ إِنْ يَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً) أي ما يعد الرؤساء الأتباع (إِلَّا غُرُوراً) [٤٠] أي باطلا أو ما يعد الشيطان الكافرين من شفاعة الأصنام لهم إلا باطلا.
(إِنَّ اللهَ يُمْسِكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولا وَلَئِنْ زالَتا إِنْ أَمْسَكَهُما مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كانَ حَلِيماً غَفُوراً (٤١))
(إِنَّ اللهَ يُمْسِكُ) أي يأخذ بقدرته (السَّماواتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولا) أي كراهة أن تزولا أو معنى (يُمْسِكُ) يمنع ، أي يمنعها أن تزولا (وَلَئِنْ زالَتا) أي والله لئن زالت السموات والأرض من مقرهما (إِنْ أَمْسَكَهُما مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ) أي ما يقدر أحد أن يمسكهما أحد من بعد إمساكه ، (مِنْ) الأولى زائدة والثانية ابتدائية ، والجملة المنفية سدت مسد جواب القسم والشرط (إِنَّهُ كانَ حَلِيماً غَفُوراً) [٤١] أي غير معاجل بالعقوبة حيث أمسكهما متجاوزا عن سيئاتهم بأن تابوا.
(وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ جاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ فَلَمَّا جاءَهُمْ نَذِيرٌ ما زادَهُمْ إِلاَّ نُفُوراً (٤٢))
قوله (وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ) نزل حين بلغ قريشا قبل مبعث النبي عليهالسلام أن أهل الكتاب كذبوا رسلهم ، فقالوا لعن الله اليهود والنصارى أتتهم الرسل فكذبوهم ، والله لئن آتانا رسول لنكونن أهدى من إحدى الأمم ، فلما بعث النبي عليهالسلام كذبوه فأخبره الله تعالى بذلك (١) ، ومعنى (أَقْسَمُوا) حلفوا كفار مكة (لَئِنْ جاءَهُمْ نَذِيرٌ) أي رسول ينذرهم (لَيَكُونُنَّ أَهْدى) أي أطوع (مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ) من اليهود والنصارى وليس المراد منه إحدى الأمتين دون الأخرى ، بل المراد هما جميعا لشيوع إحدى فيهما وإنما لم يقل من الأمتين أو من الأمم ليعم جميع أفراد الأمتين ، لأن (إِحْدَى) تأنيث أحد ، فيكون المعنى أهدى من كل واحد من الأمم ، فلو ترك «إحدى» لجاز أن يراد بعض الأمم (فَلَمَّا جاءَهُمْ نَذِيرٌ) أي محمد صلىاللهعليهوسلم (ما زادَهُمْ) مجيئه (إِلَّا نُفُوراً) [٤٢] عن الإيمان.
(اسْتِكْباراً فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللهِ تَبْدِيلاً وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللهِ تَحْوِيلاً (٤٣))
(اسْتِكْباراً) أي علوا (فِي الْأَرْضِ) ونصبه على الحالية أو العلية أو البدلية من (نُفُوراً) ، قوله (وَمَكْرَ السَّيِّئِ) بكسر الهمزة أو بسكونها منصوب عطف على (اسْتِكْباراً) أو على (نُفُوراً) أو إضافة ال (مَكْرَ) إلى (السَّيِّئِ)(٢) للاتساع لكونه وصفا للمفعول المطلق أجري مجرى المفعول به ، أصله أن مكروا السيء بمعنى المكر السيء على الوصف ، ثم أضيف ال (مَكْرَ) إلى (السَّيِّئِ) الذي هو وصف المفعول المطلق ، فقيل : (مَكْرَ السَّيِّئِ) فهو منقول من المكر السيء (٣) ، وهو كل عمل قبيح أو الشرك أو إرادة إهلاكه صلىاللهعليهوسلم (وَلا يَحِيقُ) أي لا
__________________
(١) قد أخذه عن الكشاف ، ٥ / ٨٧ ؛ وانظر أيضا البغوي ، ٤ / ٥٣١.
(٢) وَمَكْرَ السَّيِّئِ» : قرأ حمزة باسكان الهمزة وصلا ، والباقون بكسرها ، فاذا وقف عليه فلحمزة فيه وجه واحد وهو إبدال الهمزة ياء خالصة لسكونها وانكسار ما قبلها ، ولهشام ثلاثة أوجه : الأول كحمزة والثاني إبدالها ياء مكسورة مع روم حركتها والثالث تسهيلها بين بين مع الروم ، والباقون يقفون باسكان الهمزة ، ويجوز لهم روم حركتها. البدور الزاهرة ، ٢٦٤.
(٣) نقل المصنف هذا الرأي عن الكشاف ، ٥ / ٨٧ ـ ٨٨.