موصولة ، تقديره : قوما إنذار آبائهم أو قوما الذي أنذر به آباؤهم من العذاب (١)(فَهُمْ غافِلُونَ) [٦] عن الرشد بسبب عدم إنذارهم أو غافلون عما أنذر آباؤهم.
(لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (٧))
(لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ) أي وجب القول بالعذاب وهو قوله (لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ)(٢) ، لأنه علم موتهم على الكفر (عَلى أَكْثَرِهِمْ) وهم الكفار في علمه تعالى (فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) [٧] بالقرآن.
(إِنَّا جَعَلْنا فِي أَعْناقِهِمْ أَغْلالاً فَهِيَ إِلَى الْأَذْقانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ (٨))
قوله (إِنَّا جَعَلْنا فِي أَعْناقِهِمْ) نزل لما حلف أبو جهل من بني مخزوم لئن رأيت محمدا يصلي لأدمغنه ، فأتاه وهو يصلي فرفع الحجر ليضربه فيبست يده على عنقه ، ورجع إلى أصحابه فخلصوا الحجر من يده ، ثم جاء رجل من بني المغيرة ليقتله فطمس الله على بصره ولم ير النبي عليهالسلام (٣) ، فقال الله إنا جعلنا في أعناقهم (أَغْلالاً) أي جعلنا أيديهم ممسكة بأعناقهم كالأغلال (فَهِيَ) أي تلك الأغلال مجتمعة (إِلَى الْأَذْقانِ) أي مع الأذقان ، يعني ملزوقة (٤) فمنعت رؤوسهم من الانخفاض (فَهُمْ مُقْمَحُونَ) [٨] أي رافعون رؤوسهم غاضون أبصارهم ، لأن عمود الغل في عنق المغلول يدخل تحت ذقنه فيمنع خفض رأسه.
(وَجَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْناهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ (٩))
ثم قال (وَجَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا) أي ظلمة بالعمي (وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا) كذلك ، قرئ بفتح السين والضم فيهما (٥)(فَأَغْشَيْناهُمْ) أي غطينا أبصارهم بالظلمة (فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ) [٩] محمدا عليهالسلام حيث أرادوه بالسوء ، وقيل : معنى (إِنَّا جَعَلْنا فِي أَعْناقِهِمْ أَغْلالاً) إلى قوله (لا يُبْصِرُونَ) إنا منعنا أيديهم ممسكة عن كل خير وقلوبهم عن الإيمان مجازاة لكفرهم (٦) ، وجعلنا من بين أيديهم حائلا وهو طول الأمل ومن خلفهم حائلا وهو الغفلة عن سابق الجنايات ، فأعمينا بصائرهم عن الهدى فهم لا يبصرون سبيل الهداية وهو الإسلام.
(وَسَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (١٠))
(وَسَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ) أي خوفتهم (أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ) أي أو لم تخوفهم (لا يُؤْمِنُونَ) [١٠] أي لا يصدقون بالقرآن ، قيل : نزلت الآية في شأن الذين ماتوا أو قتلوا على الكفر (٧).
(إِنَّما تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ (١١))
(إِنَّما تُنْذِرُ) أي تخوف وينفع إنذارك غيرهم وهو (مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ) أي القرآن وعمل بما فيه (وَخَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ) أي أطاعه في الغيب (فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ) في الدنيا (وَأَجْرٍ كَرِيمٍ) [١١] في الآخرة وهو الجنة.
(إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتى وَنَكْتُبُ ما قَدَّمُوا وَآثارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ (١٢))
(إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتى) أي نبعثهم يوم القيامة (وَنَكْتُبُ ما قَدَّمُوا) أي نكتب في اللوح ما أسلفوا من أعملاهم ليجازوا به (وَآثارَهُمْ) أي ونكتب آثارهم وهي ما سنوا وعملوا من سنة خير كصدقة وحج وتصنيف
__________________
(١) أخذه المفسر عن الكشاف ، ٥ / ٨٩.
(٢) هود (١١) ، ١١٩ ؛ السجدة (٣٢) ، ١٣.
(٣) عن مقاتل ، انظر السمرقندي ، ٣ / ٩٣ ـ ٩٤ ؛ وانظر أيضا البغوي ، ٤ / ٥٣٣.
(٤) ملزقة ، و : ملزوفة ، ح ي ؛ وانظر أيضا الكشاف ، ٥ / ٩٠.
(٥) «سدا» معا : فتح السين فيهما حفص والأخوان وخلف ، وضمها غيرهم. البدور الزاهرة ، ٢٦٥.
(٦) نقل المؤلف هذا المعنى عن السمرقندي ، ٣ / ٩٤.
(٧) قد أخذه عن السمرقندي ، ٣ / ٩٤.