كتاب وإصلاح بين الناس أو من سنة شر كزنا وسرقة وقتل نفس بغير حق ، فاقتدى بهم من بعدهم ولهم مثل أجورهم أو عليهم مثل أوزارهم ، قال صلىاللهعليهوسلم : «من سن سنة حسنة يعمل بها من بعده كان له أجرها وأجر من عمل بها من غير أن ينقص من أجورهم شيئا» (١) الحديث ، وقيل : الآثار خطأهم إلى المساجد (٢) ، روي : «أنه ما خطا عبد خطوة إلا كتبت له بها حسنة أو سيئة» (٣)(وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ) أي حفظناه (فِي إِمامٍ مُبِينٍ) [١٢] أي في اللوح المحفوظ.
(وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً أَصْحابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جاءَهَا الْمُرْسَلُونَ (١٣))
(وَاضْرِبْ لَهُمْ) أي بين (مَثَلاً) أي شبها للمشركين (أَصْحابَ الْقَرْيَةِ) أي مثل أصحاب القرية وهي أنطاكية ، و «إذ» بدل من «أحصاب» و «إذ» الثانية بدل من الأولى في قوله (إِذْ جاءَهَا الْمُرْسَلُونَ) [١٣] وهم رسل عيسى عليهالسلام.
(إِذْ أَرْسَلْنا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُما فَعَزَّزْنا بِثالِثٍ فَقالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ (١٤))
(إِذْ أَرْسَلْنا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ) أي إلى أنطاكية ليدعوهم إلى الإسلام وهما ثومان وبالوس ، فلما قربا منها رأيا شيخا وهو حبيب النجار فأخبراه خبرهما ، وكان يرعى غنما له فقال : هل من آية لكما؟ فقالا : نبرئ الأكمه والأبرص والمريض ، وكان له ولد مريض من سنتين فمسحاه فقام صحيحا فآمن حبيب ، فبلغ الخبر إلى ملك أنطاكية فدعاهما فقال لهما : لم جئتما؟ قالا : ندعوك إلى عبادة الرحمن فقال : ألنا رب غير آلهتنا؟ قالا : نعم هو من أوجدك وآلهتك فمن آمن به دخل الجنة وأمن من العذاب ومن لم يؤمن به ومات دخل النار وعذب فيها أبدا فقال : قوما حتى انظر في أمركما فذهبا عنه فتبعهما الناس (٤)(فَكَذَّبُوهُما) فضربوهما وحبسوهما (فَعَزَّزْنا) بالتخفيف ، أي غلبنا أهل أنطاكية ، وبالتشديد (٥) بمعنى قوينا المرسلين (بِثالِثٍ) أي برسول ثالث وإنما ترك ذكر المفعول به ، لأن الغرض ذكر المعزز به وهو شمعون بعثه عيسى عليهالسلام بعد بعث الرسولين تقوية لهما ، فدخل منكرا وعاشر حاشية الملك حتى استأنسوا به ، وكان يدخل معهم إلى الصنم فيصلي ويتضرع مثلهم ويحسبون أنه منهم ورفعوا خبره إلى الملك فآنس به ، فقال له شمعون : بلغني أنك حبست رجلين يدعوانك إلى إله غير إلهك فهل لك أن تدعوهما فأسمع كلامهما وأخاصمهما عنك فدعاهما وأقيما بين يدي الملك ، فقال شمعون : من أرسلكما؟ قالا : الله الذي خلق كل شيء وليس له شريك ، قال : ما آيتكما؟ قالا : ما يتمنى الملك فدعا بغلام ولد أعمى فدعوا الله تعالى فأبصر الأعمى ، فقال له شمعون : أرأيت لو سألت إلهك حتى يصنع مثل هذا فيكون لك وله شرف ، قال : ليس لي عنك سر أن إلهنا لا يبصر ولا يسمع ولا يضر ولا ينفع ، ثم قال شمعون لهما : إن قدر إلهكما على إحياء ميت آمنا به فدعوا بغلام مات من سبعة أيام فحيى وقام فقال : فتحت أبواب السماء فرأيت شابا أحسن الوجه يشفع لهؤلاء الثلاثة فقال الملك : من هم؟ قال : شمعون وهذان فتعجب الملك ، فلما رأى شمعون أن قول الغلام أثر فيه نصحه فآمن وآمن معه قوم من أصحاب ، ومن لم يؤمن صاح عليهم جبرائيل عليهالسلام صيحة فهلكوا (٦)(فَقالُوا) أي رسل عيسى عليهالسلام بعد تقويتهم الثالث (إِنَّا إِلَيْكُمْ) يا أهل أنطاكية (مُرْسَلُونَ) [١٤] من الله فآمنوا به.
__________________
(١) رواه أحمد بن حنبل ، ٤ / ٣٦١ ؛ وانظر أيضا البغوي ، ٤ / ٥٣٤.
(٢) ذكر مجاهد نحوه ، انظر السمرقندي ، ٣ / ٩٥ ؛ وانظر أيضا البغوي ، ٤ / ٥٣٤ ؛ والكشاف ، ٥ / ٩١.
(٣) عن مسروق ، انظر السمرقندي ، ٣ / ٩٥.
(٤) اختصره من البغوي ، ٤ / ٥٣٥.
(٥) «فعززنا» : قرأ شعبة بتخفيف الزاي الأولى ، والباقون بتشديدها. البدور الزاهرة ، ٢٦٥.
(٦) نقله عن الكشاف ، ٥ / ٩١ ؛ وانظر أيضا البغوي ، ٤ / ٥٣٦.