مكان قوله وما لكم لا تعبدون الذي فطركم (وَما لِيَ لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي) ، ألا ترى إلى قوله (وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) ولو لا قصده ذلك لقال وإليه أرجع.
(أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمنُ بِضُرٍّ لا تُغْنِ عَنِّي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً وَلا يُنْقِذُونِ (٢٣))
ثم قال حبيب بالاستفهام الإنكاري (أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ) أي من دون الله (آلِهَةً) أي أصناما (إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمنُ بِضُرٍّ) أي ببلاء إن فعلت ذلك (لا تُغْنِ عَنِّي شَفاعَتُهُمْ) أي شفاعة الأصنام (شَيْئاً) يعني لا يقدرون أن يدفعوا عني الضر (وَلا يُنْقِذُونِ) [٢٣] من مكروه ما.
(إِنِّي إِذاً لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٢٤) إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ (٢٥))
(إِنِّي إِذاً) أي حينئذ (لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ) [٢٤] أي إني لو عبدت غير الله لكنت في خسران بين (إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ) [٢٥] أي فشهدوني أو اسمعوا قولي ، فامنوا أنتم به بقول لا إله إلا الله كما آمنت به.
(قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قالَ يا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ (٢٦) بِما غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ (٢٧))
(قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ) استئناف كلام ، كأن قائلا قال سائلا عن حاله عند لقاء ربه بعد ذلك التصلب في نصر دينه كيف كان لقاء ربه ، فقيل : (قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ) ولم يقل «قيل له» ، لأن الغرض ذكر المقول به لا المقول له (١) ، روي : «أنهم رجموه وهو يقول رب اهد قومي» (٢) ، وقيل : «أدخله الله الجنة حيا يرزق فيها» (٣) ، وقيل : «مات فذهب بروحه إلى الجنة» (٤) ، فقيل لها ادخلي الجنة فدخلها و (قالَ يا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ [٢٦] بِما غَفَرَ لِي رَبِّي) أي بماذا غفرلي أو بمغفرتي أو بالذي غفرلي (وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ) [٢٧] ليؤمنوا ، أي لو علموا لآمنوا بالرسل.
(وَما أَنْزَلْنا عَلى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّماءِ وَما كُنَّا مُنْزِلِينَ (٢٨))
ثم قال تعالى (وَما أَنْزَلْنا عَلى قَوْمِهِ) أي قوم حبيب (مِنْ بَعْدِهِ) أي من (٥) بعد موت حبيب (مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّماءِ) أي الملائكة لهلاكهم (وَما كُنَّا مُنْزِلِينَ) [٢٨] أي ما كان في حكمتنا أن ننزل ملائكة لتعذيب أحد من قومه بعد هلاكهم.
(إِنْ كانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً واحِدَةً فَإِذا هُمْ خامِدُونَ (٢٩))
(إِنْ كانَتْ) أي ما كانت عقوبتهم وهلاكهم (إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً) وهي (٦) صيحة جبرائيل عليهالسلام (فَإِذا هُمْ خامِدُونَ) [٢٩] أي ميتون لا يتحركون من خمود النار (٧) وهو طفؤ لهبها ، يعني ما عذبناهم كتعذيبنا المكذبين قبلهم ، وإنما أنزل الملائكة يوم بدر والخندق مع كفاية صيحة من جبرائيل لتفضيل محمد عليهالسلام على كبار الأنبياء بكل شيء من أسبابه ، يعني وما كنا منزلين جندا من السماء لغيرك وإنما يؤهل له مثلك.
(يا حَسْرَةً عَلَى الْعِبادِ ما يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (٣٠))
قوله (يا حَسْرَةً عَلَى الْعِبادِ) بيان حال استهزائهم بالرسل ، أي يقال يوم القيامة يا حرسة وندامة على الكفار حيث لم يؤمنوا برسلهم ، ونصب (حَسْرَةً) بالنداء ، أي يا حسرة أحضري فهذا وقتك ، وقيل : يقول الكفار يا
__________________
(١) هذا الرأي مأخوذ عن الكشاف ، ٥ / ٩٣.
(٢) عن السدي ، انظر البغوي ، ٤ / ٥٣٩.
(٣) عن قتادة ، انظر الكشاف ، ٥ / ٩٣ ؛ وانظر أيضا البغوي ، ٤ / ٥٣٩.
(٤) قال الحسن نحوه ، انظر البيضاوي ، ٢ / ٢٨٠.
(٥) من ، و : ـ ح ي.
(٦) وهي ، وي : وهو ، ح.
(٧) من خمود النار ، وي : ـ ح.