شدة ندامتنا على الرسل حيث لم نؤمن بهم (١)(ما يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ) في الدنيا (إِلَّا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) [٣٠] وهو تفسير لسبب الحسرة النازلة لهم.
(أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لا يَرْجِعُونَ (٣١))
قوله (أَلَمْ يَرَوْا) وعيد للمشركين في مكة بمثل عذاب الأمم الماضية ليعتبروا ، أي ألم يعلموا (كَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ) الماضية وهو معلق عن العمل لفظا في (كَمْ) استفهاما كانت أو خبرا ، بل العامل فيها (أَهْلَكْنا) إلا أنه مؤثر في الجملة معنى (٢) ، أي ألم يروا كثرة المكذبين (أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ) أي إلى المكيين (لا يَرْجِعُونَ) [٣١] بعد هلاكهم أفلا يعتبرون ف (أَنَّهُمْ) بدل من (كَمْ أَهْلَكْنا) على المعنى لا على اللفظ.
(وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنا مُحْضَرُونَ (٣٢))
(وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ) أي ما كل الخلائق إلا مجتمعون (لَدَيْنا مُحْضَرُونَ) [٣٢] للحساب ، وجمع بين (كُلٌّ) و (جَمِيعٌ) ، لأن كلا يفيد الإحاطة دون الاجتماع.
(وَآيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْناها وَأَخْرَجْنا مِنْها حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ (٣٣))
قوله (وَآيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ) تذكير لهم كي يعتبروا في صنعه فيعرفوا توحيده ، أي علامة وحدانية الله تعالى لهم الأرض اليابسة (أَحْيَيْناها) بالماء فتنبت (٣)(وَأَخْرَجْنا مِنْها حَبًّا) أي الحبوب كلها كالحنطة (فَمِنْهُ) أي من الحب (يَأْكُلُونَ) [٣٣] وذكر الحب دون غيره ، لأنه أكثر المطالب من نبات الأرض عندهم.
(وَجَعَلْنا فِيها جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ وَفَجَّرْنا فِيها مِنَ الْعُيُونِ (٣٤))
(وَجَعَلْنا فِيها) أي خلقنا في الأرض (جَنَّاتٍ) أي بساتين (مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ وَفَجَّرْنا فِيها) أي أجرينا في الأرض (مِنَ الْعُيُونِ) [٣٤] أي الأنهار الخارجة من العيون.
(لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَما عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلا يَشْكُرُونَ (٣٥))
(لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ) أي من ثمر النخيل الحاصل بالماء أو من ثمر الله (وَما عَمِلَتْهُ) أي لم تعمله (أَيْدِيهِمْ) لأنهم لا يقدرون على خلقه ، ف (ما) نفي أو الذي عملته أيديهم من الغرس والإصلاح إلى أو ان أكله ف «ما» موصولة ، وقرئ بحذف الهاء (٤)(أَفَلا يَشْكُرُونَ) [٣٥] نعم الله تعالى عليهم ويوحدونه.
(سُبْحانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجَ كُلَّها مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لا يَعْلَمُونَ (٣٦))
(سُبْحانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجَ) أي أصناف (كُلَّها مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ) من الثمار والنبات والحبوب (وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ) من الذكور والإناث والألوان المختلفة (وَمِمَّا لا يَعْلَمُونَ) [٣٦] من الأشياء المخلوقة العجيبة التي لم يطلعهم الله عليها من الجماد والحيوان ، إذ علمها لا ينبغي لهم في دينهم ودنياهم.
(وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ فَإِذا هُمْ مُظْلِمُونَ (٣٧))
(وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ) أي وعلامة أخرى لهم في علم وحدانية الله تعالى الليل (نَسْلَخُ) أي نكشط ونخرج (مِنْهُ النَّهارَ) يعني نميزه (٥) منه كتمييز جلد الشاة عنها (فَإِذا هُمْ مُظْلِمُونَ) [٣٧] أي داخلون في الظلمة.
__________________
(١) لعله اختصره من البغوي ، ٤ / ٥٤٠.
(٢) معنى ، ح : ـ وي.
(٣) فتنبت ، وي : فينبت ، ح.
(٤) «عملته» : قرأ شعبة والأخوان وخلف بحذف هاء الضمير ، والباقون باثباتها. البدور الزاهرة ، ٢٦٦.
(٥) نميزه ، ح : نميز ، وي.