(وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (٣٨))
(وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها) أي تسير في منازلها كل يوم حتى تنتهي إلى مستقرها لا تتجاوز عنه ، لأنه أقصى منازلها وهو أبعد مغاربها ثم ترجع ، وفيه وجه آخر وهو ما قيل : إنها تسير كل سنة من أول منازلها إلى أقصاها فاستقرت فيه ثم ترجع إلى أول منازلها (١) ، ووجه آخر ما روي عن أبي ذر رضي الله عنه أنه قال : «كنت جالسا مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم عند غروب الشمس فقال : يا أبا ذر أتدري أين تغرب الشمس؟ قلت : الله ورسوله أعلم ، قال : إنها تغرب وتذهب حتى تسجد تحت العرش وتستأذن ويؤذن لها ويوشك أن تستأذن فلا يؤذن حتى تستشفع وتطلب ، فاذا طال عليها قيل لها اطلعي مكانك» (٢) ، والمراد مكان الغروب فمستقرها تحت العرش أو الوقت الذي تستقر فيه وينقطع جريها وهو يوم القيامة (ذلِكَ) أي المذكور من أمر الليل والنهار والشمس أو سير الشمس (تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ) بالنقمة (الْعَلِيمِ) [٣٨] بما قدر وخلق.
(وَالْقَمَرَ قَدَّرْناهُ مَنازِلَ حَتَّى عادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ (٣٩))
(وَالْقَمَرَ قَدَّرْناهُ مَنازِلَ) أي ذا منازل بنصب (الْقَمَرَ) بفعل يفسره ما بعده ، أي قدرنا القمر ذا منازل ، وقرئ بالرفع (٣) وهي ثمانية وعشرون منزلا فينزل كل ليلة منزلا من منازله ويصعد في منزل منها حتى ينتهي إلى مستقر له ، ثم يعود إلى أدنى منزله ويسير سيرا غير متفاوت ويستتر ليلتين إن كان الشهر ثلاثين أو ليلة إن كان تسعة وعشرين ، فاذا قطع منازله دق في رأي العين وتقوس (حَتَّى عادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ) [٣٩] أي كعذق النخلة اليابس العتيق ، إذ العذق بالكسر من النخلة إذا عتق دق واصفر وتقوس فيصير القمر آخر الشهر مشابها به في عين الناظر من ثلاثة أوجه وهو كالعنقود من العنب.
(لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (٤٠))
(لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها) أي لا يسهل للشمس (أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ) أي أن تطلع في فلك القمر لأن فلكه غير ذلك الفلك (٤) ، وقيل : للشمس سلطان بالنهار وللقمر سلطان بالليل فلا ينبغي للشمس أن تطلع بالليل (٥)(وَلَا اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ) أي لا يدرك سواد الليل ضوء النهار فيغلبه على ضوءه ، فالمراد من السبق هنا الغلبة ، المعنى : أنهما (٦) لا يزالان يتعاقبان ولا يجتمعان إلا عند إبطال الله تعالى هذا التأليف وتطلع الشمس من مغربها ويجتمع معها القمر ، وذلك من أشراط الساعة ، وإنما ذكر الإدراك للشمس والسبق للقمر لأن الشمس بطئ سيرها عن (٧) سير القمر ، إذ هو يقطع فلكه في شهر وهي في سنة فالقمر أحق بالوصف بالسبق لسرعة سيره ، والشمس جديرة بأن توصف بالإدراك لبطؤ سيرها (وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) [٤٠] أي كل واحد في فلكه يسير ويدور الانبساط لا مزاحم له كمن يسبح في البحر ، قيل : الأفلاك كثيرة مختلفة في السير تقطع الشمس فلكها كل سنة مرة والقمر يقطع في ثمانية وعشرين يوما مرة (٨) ، وقيل : الفلك واحد وجريها مختلف (٩) ، وهو خلاف الظاهر.
__________________
(١) نقل المصنف هذا الرأي عن الكشاف ، ٥ / ٩٦.
(٢) انظر السمرقندي ، ٣ / ٩٩ ـ ١٠٠ ؛ والبغوي ، ٤ / ٥٤٢.
(٣) «والْقَمَرَ» : قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو وروح برفع الراء ، والباقون بنصبها. البدور الزاهرة ، ٢٦٦.
(٤) لأنه فلكه غير ذلك الفلك ، ح ي : لأن فلكه غير فلك الشمس ، و.
(٥) أخذه عن الكشاف ، ٣ / ١٠٠.
(٦) المعنى أنهما ، ح و : المعنى ، ي.
(٧) عن ، و : غير ، ح ي.
(٨) أخذه عن السمرقندي ، ٣ / ١٠٠.
(٩) نقله المفسر عن السمرقندي ، ٣ / ١٠٠.