(وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (٤١))
(وَآيَةٌ لَهُمْ) أي وعلامة أخرى للكفار (١) على علم توحيد الله تعالى (أَنَّا حَمَلْنا ذُرِّيَّتَهُمْ) جمعا ومفردا (٢) ، أي آباءهم الأقدمين وهم في أصلابهم ، وقيل : المراد من الذرية آباؤهم ، لأن الذرية من الذرء وهو الخلق يتناول الآباء والصبيان والنساء (٣)(فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ) [٤١] أي المملو وهو سفينة نوح عليهالسلام.
(وَخَلَقْنا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ ما يَرْكَبُونَ (٤٢) وَإِنْ نَشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلا صَرِيخَ لَهُمْ وَلا هُمْ يُنْقَذُونَ (٤٣) إِلاَّ رَحْمَةً مِنَّا وَمَتاعاً إِلى حِينٍ (٤٤))
(وَخَلَقْنا لَهُمْ) أي للذرية (مِنْ مِثْلِهِ) أي مثل فلك نوح (ما يَرْكَبُونَ) [٤٢] في البحر من السفن المعمولة على شكله صغارا كانت أو كبارا ، وقيل : «المراد من (مِثْلِهِ) الإبل يركب عليها في البر كما يركب السفن في البحر» (٤) ، والأصح الأول بدليل قوله (وَإِنْ نَشَأْ نُغْرِقْهُمْ) في الماء (فَلا صَرِيخَ) أي لا مغيث لهم إذا وقعوا في الغرق (لَهُمْ وَلا هُمْ يُنْقَذُونَ) [٤٣] أي ينجون من الغرق.
(إِلَّا رَحْمَةً مِنَّا) أي لكن لرحمة (٥) منا لهم لا نغرقهم ، قوله (وَمَتاعاً إِلى حِينٍ) [٤٤] عطف على (رَحْمَةً) ، أي لتمتيعا إياهم بلذاتهم لم نغرقهم إلى انقضاء آجالهم.
(وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُوا ما بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَما خَلْفَكُمْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (٤٥) وَما تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آياتِ رَبِّهِمْ إِلاَّ كانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ (٤٦))
(وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُوا ما بَيْنَ أَيْدِيكُمْ) من أمر الآخرة فاعملوا لها (وَما خَلْفَكُمْ) من أمر الدنيا فلا تغتروا بها (لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) [٤٥] أي لكي ترحموا فلا تعذبوا يوم القيامة ، وجواب (إِذا) محذوف وهو أعرضوا بدليل قوله (مُعْرِضِينَ) في قوله (وَما تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آياتِ رَبِّهِمْ) كانشقاق القمر (إِلَّا كانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ) [٤٦] أي تاركين لها غير مصدقين بها.
(وَإِذا قِيلَ لَهُمْ أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشاءُ اللهُ أَطْعَمَهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٤٧))
(وَإِذا قِيلَ لَهُمْ) أي للمشركين (أَنْفِقُوا) على المساكين (مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ) من الأموال التي أعطاكم الله (قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا) استهزاء بهم (أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشاءُ اللهُ أَطْعَمَهُ) لا اعتقادا بدليل قوله (إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) [٤٧] أي في خطأ بين بقولكم لنا أنفقوا من مالكم.
(وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٤٨) ما يَنْظُرُونَ إِلاَّ صَيْحَةً واحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ (٤٩))
(وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ) الذي تعدوننا به وهو يوم البعث (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) [٤٨] بأنا نبعث وهو خطاب للنبي عليهالسلام وأصحابه فقال الله تعالى (ما يَنْظُرُونَ) بالعذاب (إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ
__________________
(١) للكفار ، وي : لكفار مكة ، ح.
(٢) «ذريتهم» : قرأ المدنيان والشامي ويعقوب بألف بعد الياء مع كسر التاء ، والباقون بحذف الألف مع نصب التاء. البدور الزاهرة ، ٢٦٦.
(٣) أخذه المؤلف عن السمرقندي ، ٣ / ١٠١.
(٤) عن قتادة ، انظر السمرقندي ، ٣ / ١٠١.
(٥) لرحمة ، وي : برحمة ، ح.