(فَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّا نَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ (٧٦))
(فَلا يَحْزُنْكَ) يا محمد (قَوْلُهُمْ) أي تكذيبهم إياك وكفرهم (إِنَّا) بكسر «إن» على الاستئناف ، أي لقد (١)(نَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ) من التكذيب (وَما يُعْلِنُونَ) [٧٦] من العداوة لك.
(أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ (٧٧))
قوله (أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ نُطْفَةٍ) أي من مني ، نزل حين أتى أبى ابن خلف إلى النبي عليهالسلام بعظم رميم ففته عنده وقال يا محمد أتعدنا أنا إذا متنا وكنا ترابا مثل هذا بعثنا فكيف يحيي الله هذا بعد ما رم وصار ترابا ، فقال صلىاللهعليهوسلم نعم ويدخلك النار (٢)(فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ) أي جدال شديد الخصومة بالباطل (مُبِينٌ) [٧٧] أي بين الخصومة فيما يخاصم بعد ما كان ماء مهينا ألم يستدل بخلقه على أن البعث ممكن.
(وَضَرَبَ لَنا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (٧٨))
(وَضَرَبَ لَنا مَثَلاً) أي شبها في أمر العظام بفته العظم ونسبتنا إلى العجز (وَنَسِيَ خَلْقَهُ) من المني وهو أغرب من إحياء العظم (قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ) [٧٨] أي بالية من رم الثوب إذا بلى ولم يؤنث (رَمِيمٌ) ، لأنه اسم لما بلى من العظام وليس بصفة بمعنى الفاعل أو المفعول ، وإنما سماه مثلا لأنه في غاية الغرابة النسبة إلى قدرته تعالى فيسار به كما يسار بالأمثال.
(قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ (٧٩))
(قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ) أي خلقها ولم تك (٣) شيئا (وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ) [٧٩] مجملا ومفصلا ، ابتداء وانتهاء ، أي بخلقهم في الدنيا وإحيائهم في الآخرة.
(الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ ناراً فَإِذا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ (٨٠))
(الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ) هذا إخبار عن صنعه لهم باحداث شيء غريب من غير جنسه ومنافيه ليعتبروا في البعث ، أي جعل لكم (مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ ناراً فَإِذا أَنْتُمْ مِنْهُ) أي من الشجر (تُوقِدُونَ) [٨٠] أي تقدحون ، قيل : «كل شجر يقدح منه النار إلا شجر العناب فمن ذلك يدق القصاب عليه الثوب» (٤).
(أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلى وَهُوَ الْخَلاَّقُ الْعَلِيمُ (٨١))
قوله (أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) وهو أعظم خلقا (بِقادِرٍ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ) في الآخرة ، أي مثل الأناسي في الصغر استفهام بمعنى التقرير ، أي لا يعجز خالقهما شيء من أن يبعثهم بعد موتهم (بَلى) إنه قادر على ذلك (وَهُوَ الْخَلَّاقُ) أي الكثير الخلق (الْعَلِيمُ) [٨١] بالإنشاء أول مرة ، وبالبعث في الآخرة.
(إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٨٢))
(إِنَّما أَمْرُهُ) أي شأن الله (إِذا أَرادَ شَيْئاً) من البعث وغيره (أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) [٨٢] بالنصب عطف على (يَقُولَ) ، وبالرفع (٥) جملة من مبتدأ وخبر ، تقديره : فهو يكون معطوفة على مثلها وهي أمره أن يقول له كن ،
__________________
(١) أي لقد ، وي : إنا لقد ، ح.
(٢) عن مجاهد ، انظر السمرقندي ، ٣ / ١٠٧ ؛ وانظر أيضا الواحدي ، ٣٠٣ ـ ٣٠٤.
(٣) تك ، و : يك ، ح ي.
(٤) عن الكلبي ، انظر السمرقندي ، ٣ / ١٠٧.
(٥) «فيكون» : قرأ الشامي والكسائي بنصب النون ، والباقون برفعها. البدور الزاهرة ، ٢٦٧.