(وَأَمَّا الْجِدارُ فَكانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُما وَكانَ أَبُوهُما صالِحاً فَأَرادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغا أَشُدَّهُما وَيَسْتَخْرِجا كَنزَهُما رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَما فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذلِكَ تَأْوِيلُ ما لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً (٨٢))
(وَأَمَّا الْجِدارُ فَكانَ لِغُلامَيْنِ) اسمهما أصرم وصريم (يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُما) أي مال مدفون من ذهب وفضة وهو الظاهر لاطلاقه ، وقيل : «إنه صحف علم» (١) ، وقيل : «إنه لوح من ذهب مكتوب فيه «عجبت لمن أيقن بالموت كيف يفرح ، وعجبت لمن أيقن بالقدر كيف يحزن ، وعجبت لمن أيقن بالرزق كيف يتعب ، وعجبت لمن أيقن بزوال الدنيا وتقلبها بأهلها كيف يطمئن إليها لا إله إلا الله محمد رسول الله» (٢)(وَكانَ أَبُوهُما صالِحاً) فحفظا بصلاح أبيهما في مالهما وأنفسهما ، روي : «أن الله يحفظ بالعبد الصالح ولده وولد ولده وعشيرته وأهل دويرات حوله» (٣) ، وقيل : «كان بيهما وبين الأب الصالح سبعة آباء» (٤)(فَأَرادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغا أَشُدَّهُما) أي كمال عقلهما (وَيَسْتَخْرِجا كَنزَهُما رَحْمَةً) مفعول له ، أي لرحمة (مِنْ رَبِّكَ) لهما بصلاح أبيهما ، قيل : أسند الخضر عليهالسلام الإرادة هنا إلى الله لاختصاص التبليغ إليه تعالى ، وأسندها إلى نفسه في جانب العيب فانه فعله حقيقة بأمره تعالى ، وأسندها إلى نفسه بتشريك الغير في طلب الخير منه تعالى لأنها في معنى الدعاء الذي يحتاج إلى الاستعانة في استجابته (٥)(وَما فَعَلْتُهُ) أي ما فعلت ما رأيت مني يا موسى (عَنْ أَمْرِي) أي باختياري أو من تلقاء نفسي ، بل أنا عبد مأمور فعلته بأمر الله تعالى ، وهذا إيضاح لما أشكل على موسى وتمهيد للعذر في فعله المنكر ظاهرا ، وهكذا الطريق بين المرشد والمسترشد في إزالة الشكوك والشبه عنه شفقة له (ذلِكَ) أي العلم الذي أخبرتك به (تَأْوِيلُ ما لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً) [٨٢] كرره تأكيدا لحفظه تأويله ، وإنما قال هنا «تسطع» وقبله «تستطع» جمعا بين اللغتين ، يقال اسطاع واستطاع بمعنى أطاق ، روي : أن موسى عليهالسلام لما فارق الخضر قال له : أوصني ، فقال : لا تطلب العلم لتحدث به الناس واطلبه لتعمل به (٦) ، قيل : إن الخضر عليهالسلام ميت الآن لقوله تعالى (وَما جَعَلْنا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ)(٧)(٨) ، وقيل : حي وسبب حيوته أن ذا القرنين دخل الظلمات لطلب عين الحيوة وكان الخضر على مقدمته فوقع الخضر على العين فنزل واغتسل وشرب وصلى شكرا لله تعالى وأخطأ ذو القرنين الطريق فعاد عنه ولم يشرب (٩).
(وَيَسْئَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُوا عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْراً (٨٣))
قوله (وَيَسْئَلُونَكَ) عطف على قصة موسى ، أي يسألك الكفار امتحانا (عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ) قيل : «إنه كان نبيا» (١٠) ، وقيل : ملكا (١١) ، سئل النبي عليهالسلام عنه فقال : «لم يكن نبيا ولا ملكا ولكن كان عبدا صالحا ، أحب الله فأحبه الله ، وناصح الله وناصحه الله» (١٢) ، قيل : ملكه الله الأرض وأعطاه العلم والحكمة والهيبة ، وسخر له النور والظلمة ، فاذا سرى يهديه النور من أمامه وتحوطه الظلمة من ورائه (١٣) ، «وسمي بذي القرنين لبلوغه قرني الشمس مشرقها ومغربها» (١٤) ، وقيل : «لدخوله النور والظلمة» (١٥) ، وقيل : لأنه كانت له ذوابتان
__________________
(١) عن سعيد بن جبير ، انظر البغوي ، ٣ / ٥٩١ ؛ وانظر أيضا السمرقندي ، ٢ / ٣٠٩ (عن مقاتل ومجاهد).
(٢) عن ابن عباس ، انظر البغوي ، ٣ / ٥٩١ ؛ وانظر أيضا السمرقندي ، ٢ / ٣٠٩ ـ ٣١٠ ؛ والكشاف ، ٣ / ٢١٧.
(٣) عن محمد بن المنكدر ، انظر البغوي ، ٣ / ٥٩٢.
(٤) عن جعفر بن محمد الصادق ، انظر الكشاف ، ٣ / ٢١٧.
(٥) لعل المؤلف اختصره من البيضاوي ، ٢ / ٢١.
(٦) قد نقله المؤلف عن البغوي ، ٣ / ٥٩٢.
(٧) الأبياء (٢١) ، ٣٤.
(٨) أخذه المصنف عن البغوي ، ٣ / ٥٩٢.
(٩) قد أخذه المفسر عن البغوي ، ٣ / ٥٩٢.
(١٠) عن عكرمة ، انظر السمرقندي ، ٢ / ٣١٠ ؛ وانظر أيضا البغوي ، ٣ / ٥٩٣ ؛ والكشاف ، ٣ / ٢١٨.
(١١) أخذه عن الكشاف ، ٣ / ٢١٨.
(١٢) انظر البغوي ، ٣ / ٥٩٣ ، ولم أعثر عليه في كتب الأحاديث المعتبرة التي راجعتها.
(١٣) قد أخذه عن الكشاف ، ٣ / ٢١٨.
(١٤) عن الزهري ، انظر البغوي ، ٣ / ٥٩٣ ؛ وانظر أيضا السمرقندي ، ٢ / ٣١٠.
(١٥) عن فارس ، انظر البغوي ، ٣ / ٥٩٣.