حسنتان (١) ، وقيل : كان له قرنان تواريهما العمامة (٢) ، واسمه الإسكندر بن فلقوس الرومي ، وكان بعد ثمود ، وعاش ألفا وستمائة سنة ، قيل : إنه بعد ما خرج من الظلمة توفي بشهر زور ودفن بها (٣) ، ثم أمر تعالى النبي أن يجيب عليهم بقوله (قُلْ سَأَتْلُوا عَلَيْكُمْ) أي سأذكر لكم (مِنْهُ) أي من حاله (ذِكْراً) [٨٣] أي خبرا من عند الله.
(إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْناهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً (٨٤))
(إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ) أي قوينا ليسير فيها ، قيل : «سخر له السحاب وبسط النور فكان الليل والنهار عنده سواء» (٤)(وَآتَيْناهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ) أي من أسباب كل شيء ، يعني من أغراضه ومقاصده في ملكه (سَبَباً) [٨٤] أي طريقا موصلا إليه ، أي إلى مراده.
(فَأَتْبَعَ سَبَباً (٨٥) حَتَّى إِذا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَها تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِنْدَها قَوْماً قُلْنا يا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً (٨٦))
(فَأَتْبَعَ سَبَباً) [٨٥] بقطع الهمزة وإسكان التاء ، أي فألحق سببا سببا لأنه يتعدى إلى مفعولين وبوصل الهمزة وتشديد التاء (٥) ، أي سار طريقا نحو المغرب (حَتَّى إِذا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ) أي بلغ قوما في جهته ليس وراءهم أحد (وَجَدَها تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ) أي في عين ماء ذي طين وحمأ أسود ، وقرئ «حامية» (٦) ، أي حارة ، الأول من الحمأة وهي الطين الأسود ، والثاني من الحمى وهي حرارة النار ، روى أبوذر رضي الله عنه أنه صلىاللهعليهوسلم قال : «إنها تغرب في عين حامئة» (٧) ، وفي رواية : «في عين الله الحامية» (٨) ، لو لا ما بزغها من أمر الله لاحترقت الأرض من البزغ وهو الإغراب ، قيل : إنه مجاز (٩) ، إذ يمتنع غروبها في العين حقيقة ، لأنها أعظم من الدنيا خمسين مرة ، وقيل : بمائة وعشرين مرة والقمر بثمانين مرة (١٠) ، وإنما ذلك في رأي العين كراكب البحر (وَوَجَدَ عِنْدَها) أي عند غروبها (قَوْماً) من المؤمنين والكافرين عليهم جلود السباع لا طعم لهم إلا ما تحرقه الشمس عن غروبها وترميه العين عند ذلك فيأكلونه ، وقيل : كانوا كلهم كافرين (١١)(قُلْنا) بالوحي أو بالإلهام (يا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً) [٨٦] أي أنت مخير في أمرهم بعد الدعوة إلى الإسلام أما أن تعذب من أبي وكفر بالقتل ، وأما أن تحسن من لم يأب وآمن وعمل بما يقتضيه الإيمان بالأنعام عليه ، قيل : كان يطبخ من كفر ويعطي ويكسي من آمن (١٢) ، وقيل : يحسنه بالعفو والأسر وسماهما إحسانا في مقابلة القتل (١٣).
(قالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذاباً نُكْراً (٨٧))
(قالَ) ذو القرنين (أَمَّا مَنْ ظَلَمَ) بكفره (فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ) بالقتل في الدنيا (ثُمَّ يُرَدُّ إِلى رَبِّهِ) في الآخرة (فَيُعَذِّبُهُ عَذاباً نُكْراً) [٨٧] أي شديدا بالنار.
(وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً فَلَهُ جَزاءً الْحُسْنى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنا يُسْراً (٨٨))
(وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً فَلَهُ جَزاءً الْحُسْنى) برفع (جَزاءً) بلا تنوين للإضافة ، أي له جزاء المثوبة الحسنى ،
__________________
(١) نقله المفسر عن البغوي ، ٣ / ٥٩٣.
(٢) أخذه المؤلف عن البغوي ، ٣ / ٥٩٣.
(٣) ولم أجد له مرجعا في المصادر التي راجعتها.
(٤) عن علي ، انظر البغوي ، ٣ / ٥٩٣ ـ ٥٩٤.
(٥) «فأتبع» : قرأ الشامي والكوفيون بقطع الهمزة وإسكان التاء وغيرهم بوصل الهمزة وتشديد التاء. البدور الزاهرة ، ١٩٦.
(٦) «حمئة» : قرأ الشامي وشعبة والأخوان وأبو جعفر وخلف بألف بعد الحاء وإبدال الهمزة ياء خالصة وصلا ووقفا ، والباقون بحذف الألف وتحقيق الهمزة. البدور الزاهرة ، ١٩٦.
(٧) رواه أحمد بن حنبل ، ٥ / ١٦٥ ؛ وانظر أيضا الكشاف ، ٣ / ٢١٨.
(٨) أخرجه أبو داود ، الحروف ، ٣٤ (رقم الحديث : ٤٠٠٢).
(٩) ولم أجد له مرجعا في المصادر التي راجعتها.
(١٠) ولم أجد له مأخذا في المصادر التي راجعتها.
(١١) قد أخذه عن السمرقندي ، ٢ / ٣١١.
(١٢) لعله اختصره من الكشاف ، ٣ / ٢١٩.
(١٣) اختصره المؤلف من الكشاف ، ٣ / ٢١٩.