أي من بعد موتي وهم الورثة ، وقيل : عصبته إخوته وبنو عمه وكانوا شرار بني إسرائيل فخافهم على الدين أن يغيروه وأن لا يحسنوا الخلافة على أمته (١)(وَكانَتِ امْرَأَتِي عاقِراً) أي عقيما لم تلد لعجزها عن الولادة (فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ) أي من عندك وفضلك صادرا عنك (وَلِيًّا) [٥] أي ولدا صالحا.
(يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا (٦) يا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ اسْمُهُ يَحْيى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا (٧))
(يَرِثُنِي) بأن يبقى بعدي (وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ) وكان زكريا عليهالسلام من نسل يعقوب بن إسحق ، والمراد من الإرث إرث الشرع والعلم ، لأن الأنبياء لا تورث المال ، والفعلان مجزومان جوابا للطلب أو مرفوعان صفة ل (وَلِيًّا) ، أي ولدا وارثا مني العلم ووارثا من آل يعقوب النبوة لئلا يضيع الدين بالتغيير ، و (مِنْ) للتبعيض لا للتعدية ، لأن آل يعقوب لم يكونوا كلهم أنبياء ، وقيل : الأولى أن يحمل الرفع على الاستئناف لا على الوصف لئلا يلزم كون النبي غير مستجاب الدعوة لهلاك يحيى قبل زكريا عليهالسلام (٢) ولا يرد لزوم الكذب في أخبار زكريا على تقدير الاستئناف (٣) بعين ما ذكر لكونه غرضا في جواب سؤال مقدر ، وهو لم تطلب الولد وعدم ترتب الغرض من فعل النبي عليهالسلام أهون من كونه غير مستجاب الدعوة ، ثم قال زكريا (وَاجْعَلْهُ) أي الولد الموهوب يا (رَبِّ رَضِيًّا) [٦] أي مرضيا تقيا ، فأوحى الله تعالى إليه بجبرائيل مناديا له «وهو قائم يصلي في المحراب» (يا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ) بضم النون من التبشير ، وبفتحها مع التخفيف (٤) ، أي نبشرك (بِغُلامٍ اسْمُهُ يَحْيى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ) أي من قبله (سَمِيًّا) [٧] أي لم يسم أحد بيحيى ، وإنما سمي به لأنه حي بالعلم والحكمة التي أوتيها ، وقيل : لأنه ولد بين شيخ فان وعجوز عاقر (٥) ، وقيل : لم نجعل له نظيرا وشبها (٦) في أنه لم يعص ولم يهم بمعصية.
(قالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَكانَتِ امْرَأَتِي عاقِراً وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا (٨))
(قالَ) زكريا (رَبِّ) أي يا سيدي قاله لجبرائيل (أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ) أي من أين يكون لي ولد (وَكانَتِ امْرَأَتِي عاقِراً) من الولد (وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا) [٨] بكسر العين وضمها (٧) ، أي يبسا ، يعني نهاية السن ، يقال لكل شيء انتهى فقد عتي ، قيل : زكريا لم يكن شاكا في بشارة الله تعالى ، ولكنه أحب أن يعلمه من أي وجه يكون (٨) مع هاتين الصفتين العقر والعتي ، وروي : الحركات الثلاث في العين لغة (٩).
(قالَ كَذلِكَ قالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئاً (٩))
(قالَ كَذلِكَ) أي قال جبرائيل الأمر كما قلت لك أو تصديق لزكريا ، أي كما قلت إنك بلغت الكبر عتيا (قالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ) أي خلق يحيى من كبيرين يسير علي (وَقَدْ خَلَقْتُكَ) مفردا ، و «خلقناك» (١٠) جمعا للتعظيم (مِنْ قَبْلُ) أي قبل يحيى (وَلَمْ تَكُ شَيْئاً) [٩] أي كنت معدوما أو لم تك شيئا يعتد به.
(قالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قالَ آيَتُكَ أَلاَّ تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَ لَيالٍ سَوِيًّا (١٠))
(قالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً) أي علامة على حمل امرأتي قاله حين جاءه الشيطان وقال : إن هذا النداء لك ليس من الله انما هو من الشيطان ، ولو كان من الله لأوحي إليك كما كان يوحي إليك بظهور جبرائيل لك (قالَ آيَتُكَ
__________________
(١) نقله المصنف عن الكشاف ، ٤ / ٢.
(٢) ولم أجد له مرجعا في المصادر التي راجعتها.
(٣) حذف ، + ي.
(٤) «نبشرك» : قرأ حمزة بفتح النون وإسكان الموحدة وضم الشين مخففة وغيره بضم النون وفتح الباء الموحدة وكسر الشين مشددة وفيه ترقيق الراء لورش. البدور الزاهرة ، ١٩٨.
(٥) نقله المؤلف عن الكشاف ، ٤ / ٣.
(٦) عن سعيد جبير وعطاء ، انظر البغوي ، ٣ / ٦١٠.
(٧) «عتيا» : كسر العين حفص والأخوان ، وضمها غيرهم. البدور الزاهرة ، ١٩٨.
(٨) قد أخذه المصنف عن السمرقندي ، ٢ / ٣١٩.
(٩) لعله اختصره من البغوي ، ٣ / ٦١٠.
(١٠) «خلقتك» : قرأ حمزة والكسائي بنون بعد القاف وبعدها ألف ، والباقون بتاء مضمومة بعد القاف من غير ألف. البدور الزاهرة ، ١٩٨.