المعنى : اصطبر على الشدائد لأجل عبادتك (١) ، أي ليتمكن لك الاتيان بها (هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا) [٦٥] أي لم يسم شيء بالله قط ، وقيل «سميا» أي مثلا وشبيها (٢) ، يعني إذا صح أن لا معبود يوجه إليه العبادة إلا هو وحده لم يكن لك بد من عبادته والاصطبار على مشاقها.
(وَيَقُولُ الْإِنْسانُ أَإِذا ما مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا (٦٦))
قوله (وَيَقُولُ الْإِنْسانُ) منكرا للبعث (أَإِذا ما مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا) [٦٦] نزل حين فت أبي بن خلف عظما ، فقال : أنبعث بعد ما صرنا كذا؟ (٣) فالمراد من (الْإِنْسانُ) الخصوص ، وقيل : المراد الجنس (٤) ، وإنما جاز اسناد القول إلى الجنس بأسره لوجود هذا القول في هذا الجنس فهو من قبيل قولهم قتل بنو فلان فلانا وإنما القاتل واحد منهم ، والعامل في (إِذا) فعل مضمر ، يدل عليه المذكور وهو (أُخْرَجُ) «لا أخرج» بعد قوله (لَسَوْفَ) لأجل اللام ، وإنما جامع مع حرف الاستقبال لأنه أخلصت هنا للتأكيد وإن اقتضت الحال ، أي يؤكد معنى همزة الإنكار في (أَإِذا).
(أَوَلا يَذْكُرُ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئاً (٦٧))
ثم قال تعالى (أَوَلا يَذْكُرُ الْإِنْسانُ) بسكون الذال مع التخفيف ، وبفتحها مع التشديد (٥) ، أي أيقول ذلك ولا يتعظ ويعتبر (أَنَّا) أي بأنا (خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ) أي قبل هذه الحالة (وَلَمْ يَكُ شَيْئاً) [٦٧] موجودا فأوجدناه من العدم ، والمعنى : ألا يتذكر النشأة الأولى حتى لا ينكر النشأة الأخرى ، فان تلك أعجب وأغرب وأدل على قدرة الخالق ، إذ هي أهون عليه من ذلك.
(فَوَ رَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّياطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا (٦٨))
ثم أقسم بنفسه فقال (فَوَ رَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ) أي الكفار (وَالشَّياطِينَ) معهم وهم الذين أغووهم ، إذ كل كافر سيحشر مع شيطانه في سلسلة (ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ) أي لنجمعنهم (حَوْلَ جَهَنَّمَ) أي فيها (جِثِيًّا) [٦٨] عن الزواج ، أصله بضم الجيم جمع جاث ، وقرئ بكسر اتباعا لما بعده (٦) ، أي جاثين على الركب لهول ذلك اليوم لا يقدرون على القيام ، وقيل : ذلك قبل دخولهم جهنم (٧) أو هو مصدر في الأصل وقع حالا هنا.
(ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمنِ عِتِيًّا (٦٩))
(ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ) أي لنخرجن (مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ) أي فرقة ، يعني من أهل كل دين ، وهم الذين تبعوا غاويا من الغواة يقال شاعت إذا تبعت ، قوله (أَيُّهُمْ) موصول عند سيبويه مبني على الأصل لكونه بمعنى الذي ، وأعرب حملا على بعض فان أضيف إلى جملة تامة بقي على إعرابه ، وإن حذف العائد عليه عاد إلى بنائه الأصلي ، ومحله نصب ب «ننزععن» الذين هم (أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمنِ عِتِيًّا) [٦٩] أي جرأة على الله ، وعند الخليل استفهام معرب مبتدأ ، خبره (أَشَدُّ) ، فرفعه على الحكاية ، أي لننزعن الذين يقال أيهم أشد.
(ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلى بِها صِلِيًّا (٧٠))
(ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلى) أي أحق (بِها) أي بالنار (صِلِيًّا) [٧٠] بضم الصاد وكسرها (٨) ، أي دخولا
__________________
(١) أخذ المؤلف هذا المعنى نقلا عن الكشاف ، ٤ / ١٥ ، ١٦.
(٢) قد أخذه عن الكشاف ، ٤ / ١٦.
(٣) عن الكلبي ، انظر الواحدي ، ٢٥٣ ؛ وانظر أيضا البغوي ، ٣ / ٦٣١.
(٤) قد نقله عن الكشاف ، ٤ / ١٦.
(٥) «يذكر» : قرأ نافع والشامي وعاصم باسكان الذال وضم الكاف وغيرهم بفتح الذال والكاف وتشديدها. البدور الزاهرة ، ٢٠٠.
(٦) «جثيا» : قرأ حفص والأخوان بكسر الجيم ، والباقون بضمها. البدور الزاهرة ، ٢٢٠.
(٧) ولم أجد له مأخذا في المصادر التي راجعتها.
(٨) «صليا» : قرأ حفص والأخوان بكسر الصاد ، والباقون بضمها. البدور الزاهرة ، ٢٠٠.