دينهم فقال تعالى (وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ) كَمْ) مفعول ، و (مِنْ) بيان له ، أي كثيرا من القرون الماضية أهلكناهم ، قيل : قرن الشيء أعلاه (١) ، وكل أهل عصر قرن لمن بعدهم لتقدمهم عليهم ، قوله (هُمْ أَحْسَنُ أَثاثاً وَرِءْياً) [٧٤] في محل النصب صفة ل (كَمْ) ، والأثاث متاع البيت ، والمراد الأموال أو اللباس والرئي بالهمزة وتخفيف الياء المنظر والهيئة ، وبتشديد الياء بغير همزة (٢) الشراب أو التنعم والتزين وهو من الري الذي هو ضد العطش ، أي هم أكثر (٣) أموالا وأحسن منظرا وزينة من هؤلاء الكفرة فلم يغن ذلك عنهم من عذاب الله شيئا.
(قُلْ مَنْ كانَ فِي الضَّلالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمنُ مَدًّا حَتَّى إِذا رَأَوْا ما يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَكاناً وَأَضْعَفُ جُنْداً (٧٥))
(قُلْ) يا محمد (مَنْ كانَ فِي الضَّلالَةِ) أي في الكفر (فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمنُ مَدًّا) أمر بمعنى الخبر ، أي يزيد له مالا وولدا وعمرا ليكون ذلك جزاء ضلالته في الدنيا ، ويجوز أن يكون (فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمنُ) في معنى الدعاء بأن يمهله الله وينفس في مدة حياته ويمده في طغيانه إلى موته ، قوله (حَتَّى إِذا رَأَوْا) زيادة تهديد لهم وغاية لقولهم للمؤمنين ما قالوا ، يعني هم لا يزالون يقولون هذا القول ، أعني الفريقين الآية حتى إذا عاينوا (ما يُوعَدُونَ) يعني (إِمَّا الْعَذابَ) في الدنيا ، أي القتل والأسر (وَإِمَّا السَّاعَةَ) أي عذابهم فيها ، وبعضهم جعل (حَتَّى إِذا رَأَوْا) الآية متصلة بما يليها ، والمعنى : أن الذين في الضلالة ممدود لهم في ضلالتهم لا ينفكون عنها إلى أن يعاينوا الله المؤمنين أو يشاهدوا (٤) الساعة وعذابها و (حَتَّى) هي التي يحكى بعدها الجملة ، ولذا وقع بعدها الجملة الشرطية ، وجواب الشرط (فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَكاناً) أي منزلا في مقابلة قولهم خير مقاما (وَأَضْعَفُ جُنْداً) [٧٥] أي أعوانا ، يعني أهم أم المسلمون في مقابلة أحسن نديا.
(وَيَزِيدُ اللهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدىً وَالْباقِياتُ الصَّالِحاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَواباً وَخَيْرٌ مَرَدًّا (٧٦))
قوله (وَيَزِيدُ اللهُ) عطف على (فَلْيَمْدُدْ) ، لأنه خبر في المعنى ، أي ويزيد الله (الَّذِينَ اهْتَدَوْا) أي آمنوا (هُدىً) أي هداية بتوفيقه ، يعني يزيدهم يقينا وبصيرة بايمانهم (وَالْباقِياتُ الصَّالِحاتُ) أي أعمال الآخرة كلها (خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَواباً) من مفاخرة الكافر (وَخَيْرٌ مَرَدًّا) [٧٦] أي مرجعا وعاقبة من قولهم وفخرهم بما عندهم ، لأنه يورثهم النار ، ففي قوله «خير ثوابا» تعريض للكفار بأن ثوابهم النار ، وهو ضرب من التهكم الذي هو أغيظ من قول القائل عقابهم النار.
(أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآياتِنا وَقالَ لَأُوتَيَنَّ مالاً وَوَلَداً (٧٧))
قوله (أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ) الآية نزل فيمن سخر بالبعث وهو عاص بن وائل حين عمل له خباب بن الأرت من الصحابة حليا وكان صائغا فسأله أجرة لعمله ، فقال له العاص إنكم تزعمون أن القيامة حق ، فاذا كان يوم القيامة فاني سأوتين مالا وولدا فأعطيتك منه (٥) ، فقال الله أفرأيت الذي كفر (بِآياتِنا) أي بالقرآن وبمحمد (وَقالَ) سخرية (لَأُوتَيَنَّ مالاً وَوَلَداً) [٧٧] أي في الجنة إن بعثت ، قرئ ال «ولد» بفتح الواو واللام مفردا ، وبضم الواو وسكون اللام جمعا (٦) للولد كأسد وأسد ، وقيل : هو جماعة أهل الرجل (٧) ، أي أخبرني عنه.
(أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً (٧٨))
(أَطَّلَعَ الْغَيْبَ) همزته استفهام ، أي أنظر في اللوح أو أعلم الغيب فعلم أنه يدخل الجنة (أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ
__________________
(١) ولم أجد له أصلا في المصادر التفسيرية التي راجعتها.
(٢) «وريئا» : قرأ قالون وابن ذكوان وأبو جعفر بابدال الهمزة ياء وإدغام الياء قبلها فيها فينطق بياء مشددة مفتوحة ولا إبدال فيه للسوسي لاستثنائه ولحمزة في الوقف عليه وجهان الأول كقالون ومن معه والثاني الإبدال من غير إدغام. البدور الزاهرة ، ٢٠١.
(٣) أكثر ، ح ي : أكرم ، و.
(٤) يشاهدوا ، وي : شاهدوا ، ح.
(٥) عن السدي ، انظر السمرقندي ، ٢ / ٣٣٢.
(٦) «ولدا» : قرأ الأخوان بضم الواو وسكون اللام وغيرهما بفتح الواو واللام. البدور الزاهرة ، ٢٠١.
(٧) أخذ المؤلف هذا المعنى نقلا عن السمرقندي ، ٢ / ٣٣٢.