(فَلَمَّا أَتاها نُودِيَ يا مُوسى (١١) إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً (١٢))
(فَلَمَّا أَتاها) أي انتهى إلى النار (نُودِيَ يا مُوسى [١١] إِنِّي أَنَا رَبُّكَ) قرئ بفتح «أن» ، أي بأني وبكسرها على الاستئاف (١) ، قيل : رأى شجرة خضراء من أسفلها إلى أعلاها نار بيضاء تتقد كأضوأ ما يكون فلا ضوء النار يغير خضرة الشجرة ولا خضرة الشجرة تغير ضوء النار (٢) ، قيل : إنها كانت شجرة العناب كلما طلبها بعدت عنه فاذا تركها قربت منه وتعجب منها وبهت أكثر المفسرين على أنها نور الرب تعالى (٣) ، وقيل : «هي النار بعينها» (٤) كما قال النبي عليهالسلام عليه : «حجابه النار لو كشفها لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه» (٥) ، ثم سمع تسبيح الملائكة وألقيت عليه السكينة ، ثم سمع النداء من الشجرة يا موسى ، فقال من المتكلم؟ فقال الله إني أنا ربك ، ووسوس الشيطان إليه لعلك تسمع كلام شيطان ، فقال أنا عرفت أنه كلام الله بأني أسمعه من جميع الجهات الست وأسمعه بجيمع أعضائي ، وكرر الضمير في (إِنِّي أَنَا رَبُّكَ) لتحقيق المعرفة ونفي الشبهة ، فأجاب موسى سريعا أني أسمع صوتك ولا أرى مكانك ، فأين أنت؟ فقال أنا فوقك ومعك وأمامك وخلفك وأقرب إليك من نفسك (فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ) أي ألقهما ، فألقاهما من وراء الوادي ، لأنهما كانا من جلد حمار ميت غير مدبوغين ، وقيل : أمر بخلعهما لتناله بركة الأرض المقدسة وتنالها بركتها (٦)(إِنَّكَ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ) أي الأرض الطاهرة الطيبة (طُوىً) [١٢] بالتنوين وغيره (٧) ، اسم الوادي ، عطف بيان له منصرف بتأويل المكان وغير منصرف بتأويل البقعة المعروفة.
(وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِما يُوحى (١٣))
(وَأَنَا اخْتَرْتُكَ) أي أصطفيتك يا موسى للرسالة ، مفردا في الكلمتين وجمعا فيهما مع كسر «إن» تعظيما لله تعالى (٨)(فَاسْتَمِعْ لِما يُوحى) [١٣] إليك ، أي اعمل بما تؤمر وتنهي.
(إِنَّنِي أَنَا اللهُ لا إِلهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي (١٤))
ثم بين له توحيده فقال (إِنَّنِي أَنَا اللهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا) أي لا معبود للخلق إلا أنا (فَاعْبُدْنِي) أي أطعني واستقم على توحيدي (وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي) [١٤] أي لتذكرني ، فان ذكري أن أعبد ويصلى (٩) لي أو لتذكرني فيها لاشتمال الصلوة على الأذكار ، وقيل : صل الصلوة إذا ذكرتها بعد النسيان (١٠) ، قال صلىاللهعليهوسلم : «من نسي صلوة فليصلها إذا ذكرها لا كفارة لها إلا ذلك» (١١).
(إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكادُ أُخْفِيها لِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما تَسْعى (١٥))
(إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ) أي كائنة البتة (أَكادُ أُخْفِيها) أي أقرب أن أستر الساعة عن العباد ، ولا أقول هي آتية لفرط إرادتي أخفاءها ليكونوا علي وجل منها في كل وقت ، وقيل : معناه أكاد أخفيها من نفسي فكيف أطلعكم
__________________
(١) «إني» : قرأ ابن كثير وأبو عمرو وأبو جعفر بفتح همزة «إني» ، والباقون بكسرها ، وفتح الياء المدنيان والمكي والبصري وأسكنها غيرهم. البدور الزاهرة ، ٢٠١.
(٢) أخذه المفسر عن البغوي ، ٤ / ٦.
(٣) اختصره من السمرقندي ، ٢ / ٣٣٧ ؛ والبغوي ، ٤ / ٦.
(٤) عن سعيد جبير ، انظر البغوي ، ٤ / ٦.
(٥) أخرجه مسلم ، الإيمان ، ٢٩٣ (الحديث : حجابه النور ... وفي رواية أبي بكر : النار) ؛ وانظر أيضا البغوي ، ٤ / ٦.
(٦) اختصره من البغوي ، ٤ / ٦.
(٧) «طوى» : قرأ الشامي والكوفيون بتنوين الواو ، والباقون بلا تنوين. البدور الزاهرة ، ٢٠٢.
(٨) «وَأَنَا اخْتَرْتُكَ» : قرأ حمزة بتشديد نون «أنا» و «أخترناك» بنون بعد الراء وبعد النون ألف ، والباقون بتخفيف نون «وأنا» و «أخترتك» بتاء مضمومة في مكان النون من غير ألف. البدور الزاهرة ، ٢٠٢.
(٩) ويصلى ، ح : وتصلي ، وي ؛ وانظر أيضا الكشاف ، ٤ / ٢٨.
(١٠) لعله اختصره من السمرقندي ، ٢ / ٣٣٨ ؛ وانظر أيضا البغوي ، ٤ / ٧.
(١١) رواه مسلم ، المساجد ، ٣١٤ ؛ وانظر أيضا السمرقندي ، ٢ / ٣٣٨ ؛ والبغوي ، ٤ / ٧.