وتفرقت غنمه في ليلة مظلمة ، وكان ابن عباس يقول في كل واحد : «فهذه فتنة يا ابن جبير» (١)(فَلَبِثْتَ سِنِينَ) أي فخرجت من مصر هاربا من فرعون ومكث سنين لرعي الأغنام (فِي أَهْلِ مَدْيَنَ) أي عند شعيب ، قيل : «مكث ثماني وعشرين ، منها مهر ابنته وأقام عنده ثماني عشرة حتى ولد له» (٢)(ثُمَّ جِئْتَ عَلى قَدَرٍ يا مُوسى) [٤٠] أي موعد مقدر في علمي ووهبت لك نبوة وكان مجيئه على رأس أربعين سنة يوحى فيها إلى الأنبياء.
(وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي (٤١))
(وَاصْطَنَعْتُكَ) أي اصطفيتك (لِنَفْسِي) [٤١] أي لوحيي بأن جعلتك رسولا لي فقال موسى يا رب حسبي حسبي فقد تمت كرامتي.
(اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآياتِي وَلا تَنِيا فِي ذِكْرِي (٤٢))
(اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآياتِي) وهي التسع (وَلا تَنِيا) أي لا تفترا (فِي ذِكْرِي) [٤٢] أي في تسبيحي (٣) وتقديسي والالتجاء إلي وذلك ينجيكما (٤) ، وقيل : لا تعجزا عن أداء رسالتي (٥).
(اذْهَبا إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى (٤٣) فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى (٤٤))
(اذْهَبا إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى) [٤٣] أي تكبر وعلا بادعاء الربوبية (فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً) أي كلاما سهلا بالرفق واللطف ولا تعنفاه ولا تزجراه ، وقيل : كنياه بأن تقولا يا أبا الوليد أو يا أبا العباس (٦)(لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ) أي يتأمل فيتعظ (أَوْ يَخْشى) [٤٤] الله فيؤمن ، لأن الرؤساء بكلام اللين أقرب إلى الانقياد من كلام العنف ، قيل : قد سبق في علمه أنه لا يتذكر ولا يسلم فكيف يستقيم قوله لعله يتذكر أو يخشى ، أجيب بأن الترجي في «لعل» لهما ، أي اذهبا على رجائكما لا يخيب سعيكما (٧) ، قيل : تذكر فرعون وخشي حين ألجمه الغرق فلم ينفعه (٨) ، وقيل : منعه هامان من الإيمان بموسى لما روي أن موسى وعده على قبول الإيمان شبابا لا يهرم وملكا لا ينزع منه إلا بالموت ويبقى عليه لذة المطعم والمشرب والمنكح إلى حين موته ، وإذا مات دخل الجنة فأعجبه ذلك ، وكان هامان غائبا لا يقطع أمرا بدونه ، فلما قدم أخبره بما قال له موسى وقال أردت أن أقبل منه يا همان ، فقال له هامان كنت أرى أن لك عقلا ورأيا ، أنت الآن رب تريد أن تكون مربوبا فأبى من الإيمان بموسى (٩) ، قيل : كان هرون يومئذ بمصر فأمر الله موسى أن يأتي هرون وأوحي إلى هرون وهو بمصر يجاوز أن يتلقى موسى فتلقاه إلى مرحلة ، فأخبره موسى بما أوحي إليه فدعوا الله حينئذ (١٠).
(قالا رَبَّنا إِنَّنا نَخافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنا أَوْ أَنْ يَطْغى (٤٥) قالَ لا تَخافا إِنَّنِي مَعَكُما أَسْمَعُ وَأَرى (٤٦) فَأْتِياهُ فَقُولا إِنَّا رَسُولا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنا بَنِي إِسْرائِيلَ وَلا تُعَذِّبْهُمْ قَدْ جِئْناكَ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكَ وَالسَّلامُ عَلى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدى (٤٧))
(قالا رَبَّنا إِنَّنا نَخافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنا) أي أن يعجل بالعقوبة لنا ، و «فرط» بموسى سبق (أَوْ أَنْ يَطْغى) [٤٥] أي يجاوز الحد في الإساءة إلينا فنعجز عن تبليغ الرسالة إليه (قالَ لا تَخافا) منه (إِنَّنِي مَعَكُما) بنصرتي (أَسْمَعُ) ما يقول لكما (وَأَرى) [٤٦] ما يفعل بكما ، يعني لست بغافل عنكما فلا تهتما (فَأْتِياهُ) أي اذهباه (فَقُولا) له (إِنَّا رَسُولا رَبِّكَ) إليك (فَأَرْسِلْ مَعَنا بَنِي إِسْرائِيلَ) إلى الشام وقال في موضع آخر (إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ)(١١) ،
__________________
(١) انظر السمرقندي ، ٢ / ٣٤٠ ؛ والبغوي ، ٤ / ١٢ ـ ١٣.
(٢) عن وهب ، انظر البغوي ، ٤ / ١٣.
(٣) أي في تسبيحي ، ح : أي تسبيحي ، وي.
(٤) ينجيكما ، و : ينجيك ، ح ، تنجيكما ، ي.
(٥) قد أخذه عن السمرقندي ، ٢ / ٣٤٤.
(٦) اختصره المؤلف من البغوي ، ٤ / ١٤.
(٧) نقله المؤلف عن البغوي ، ٤ / ١٤.
(٨) أخذه عن البغوي ، ٤ / ١٤.
(٩) هذا منقول عن البغوي ، ٤ / ١٤.
(١٠) قد أخذه عن البغوي ، ٤ / ١٤.
(١١) الشعراء (٢٦) ، ١٦.