و «رزقتكم» (١)(وَلا تَطْغَوْا) أي لا تكفروا تلك النعمة (فِيهِ) أي في إحساني إليكم ، وقيل : لا ترفعوا منها لغد شيئا (٢)(فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي) أي أن (٣) ينحل عليكم عذابي (وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوى) [٨١] أي هلك وسقط في النار ، قرئ «فيحل» بضم الحاء وبضم اللام الأولى من يحلل من الحلول وهو النزول ، وبكسرهما (٤) بمعنى الوجوب.
(وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى (٨٢) وَما أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يا مُوسى (٨٣))
(وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ) من الشرك (وَآمَنَ) أي صدق بالله ورسوله (وَعَمِلَ صالِحاً) أي أدى الفرائض خالصا بينه وبين ربه (ثُمَّ اهْتَدى) [٨٢] أي استقام على ذلك ولزمه حتى الموت (وَما أَعْجَلَكَ) قاله الله تعالى مستفهما على سبيل الإنكار على موسى عجلته حين سار لمناجاة ربه إلى الطور بسبعين رجلا وللاتيان بالتورية ، فلما دنى إلى الطور أمرهم أن يتبعوه إلى الجبل وأسرع هو في سيره إليه شوقا إلى مناجاة ربه ، أي أي شيء أعجلك (عَنْ قَوْمِكَ يا مُوسى) [٨٣] وتركتهم خلفك.
(قالَ هُمْ أُولاءِ عَلى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضى (٨٤) قالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ (٨٥))
(قالَ) مجيبا لربه (هُمْ أُولاءِ عَلى أَثَرِي) أي عقيب مجيئي ولم أتقدمهم إلا تقدما يسيرا لا يعتد بمثله هذا جواب بطريق التأدب مع ربه لا جواب سؤاله تعالى ، لأنه سأل (٥) عن السبب ولم يجب عنه بل أجاب بالعذر فيما أنكر عليه لأن السؤال عن السبب من الله العالم بكل شيء يستدعي السؤال عن العذر ، فقدم العذر اعترافا منه بالنقص عنده تعالى وليكون (آنَسَ) في محل الخطاب ، ثم عقبه بجواب السؤال عن السبب فقال (وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ) يا (رَبِّ لِتَرْضى) [٨٤] أي لتزداد عني رضا ، فيه دليل على جواز الاجتهاد عند الأعلم ، ثم عقب الله الأخبار بابتلائه قوم موسى من بعد ذهابه عنهم وإن لم يقع عنده ، لأنه أخبر على عادته بلفظ الموجود لصدق وعده تعالى و (قالَ) يا موسى قد انطلقت عنهم (فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ) أي ابتليناهم في إيمانهم بخلق العجل ، وكانوا ستمائة ألف فافتتنوا به غير اثني عشر ألفا (مِنْ بَعْدِكَ) أي بعد انطلاقك عنهم إلى الجبل (وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ) [٨٥] بعمله ، لأنه كان السبب لذلك حيث عمل صورة العجل وأمرهم بعبادته.
(فَرَجَعَ مُوسى إِلى قَوْمِهِ غَضْبانَ أَسِفاً قالَ يا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْداً حَسَناً أَفَطالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي (٨٦))
(فَرَجَعَ مُوسى إِلى قَوْمِهِ) مع الألواح المكتوب فيها التورية (غَضْبانَ أَسِفاً) أي شديد الغضب أو حزينا لما فاته من المناجاة وإيمان قومه به ، قيل : إنها كانت ألف سورة ، كل سورة ألف آية ، يحمل أسفارها سبعين جملا (٦) ، فلما جاءهم موسى ورأى ما يصنعون حول العجل من العبادة له (قالَ) لهم (يا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْداً حَسَناً) أي صادقا وهو أن يدفع الكتاب إلى موسى ليقرأ عليهم ويهتدوا به ، وقيل : هو أربعون ليلة من ذي القعدة وعشرون ذي الحجة (٧) ، فرجع موسى إليهم بعد ما استوفى هذه المدة ، وقال (أَفَطالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ) أي المدة الموعودة مني لكم (أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي) [٨٦] أي تركتم
__________________
(١) «أنجيناكم» ، «وواعدناكم» ، «ما رزقناكم» : قرأ الأخوان وخلف بتاء مضمومة بعد الياء في الأول والدال في الثاني والقاف في الثالث وبلا ألف فيها ، والباقون بالنون بعد الياء والدال والقاف وإثبات الألف بعد النون في الجميع ، وقرأ أبو جعفر والبصريان بحذف الألف التي بعد واو «وواعدناكم» والباقون باثباتها. البدور الزاهرة ، ٢٠٦.
(٢) أخذه المفسر عن السمرقندي ، ٢ / ٣٥١.
(٣) أن ، ح : ـ وي.
(٤) «فيحل» قرأ الكسائي بضم الحاء ، والباقون بكسرها. البدور الزاهرة ، ٢٠٦.
(٥) سأل ، وي : يسأل ، ح.
(٦) نقله المؤلف عن الكشاف ، ٤ / ٤٢.
(٧) أخذه عن الكشاف ، ٤ / ٤٢.