عهدي بترك عبادة الله.
قالُوا ما أَخْلَفْنا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنا وَلكِنَّا حُمِّلْنا أَوْزاراً مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْناها فَكَذلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ (٨٧))
(قالُوا ما أَخْلَفْنا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنا) أي ما تعمدنا ترك عهدك باختيارنا ولكن غلبنا من كيد السامري ، والملك القدرة ، وقرئ بالحركات الثلاث (١)(وَلكِنَّا حُمِّلْنا) مجهولا بالتشديد ، أي حملنا غيرنا ، وبالتخفيف معلوما (٢) ، أي (٣) حملنا نحن (أَوْزاراً) أي حليا ، وقيل : أثقالا (٤) ، وقيل : آثاما (٥)(مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ) أي قوم فرعون وكانوا استعاروها منهم بعلة عرس فبقيت عندهم ، ويجوز أن يكون المراد من ال (أَوْزارِ) الآثام (٦) ، وهم كانوا مستأمنين في دار الحرب وليس للمستأمن أخذ مال الحربي على أن الغنائم لم تكن (٧) تحل حينئذ فحفروا حفيرة بأمر هرون ليتركوها فيها إلى عود موسى فيرى فيها رأيه (فَقَذَفْناها) أي طرحنا الحلي في الحفيرة (فَكَذلِكَ) أي فمثل إلقائنا في الحفيرة (أَلْقَى السَّامِرِيُّ) [٨٧] قيل : رمى السامري فيها ما معه من الحلي والتراب الذي أخذه من أثر حافر فرس جبرائيل مع الحلي ، وكان لا يخالط شيئا إلا غيره وهو من الكرامة التي خصها الله تعالى بروح القدس وعند إلقائه التراب قال كن عجلا جسدا له خوار وكان من أهل القرية يعبدون البقر ، وحين دخل في بني إسرائيل أسلم معهم ، وفي قلبه حب عبادة البقر (٨) ، فابتلى الله به بني إسرائيل فكشف له عن بصره فرأى أثر فرس جبرائيل وأخذ من ترابه فقذفه في الحفرة بوحي الشيطان إليه.
(فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوارٌ فَقالُوا هذا إِلهُكُمْ وَإِلهُ مُوسى فَنَسِيَ (٨٨))
(فَأَخْرَجَ لَهُمْ) بسبب ذلك التراب (عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوارٌ) أي مجسدا (٩) له صوت مسموع ولا شك أن الله خلقه وأنشأه محنة محن الله بها عباده ليثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحيوة الدنيا وفي الآخرة ، ويضل الله الظالمين (١٠) وأعجب من خلق الله العجل خلقه إبليس محنة لهم ولغيرهم (فَقالُوا) أي السامري وأتباعه (هذا) أي العجل (إِلهُكُمْ وَإِلهُ مُوسى فَنَسِيَ) [٨٨] أي موسى ربه هنا وذهب يطلبه أو نسي أن يخبركم بأن هذا إلهه ، فقال تعالى منبها لهم أنه لا يصلح أن يكون إلها.
(أَفَلا يَرَوْنَ أَلاَّ يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلاً وَلا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعاً (٨٩))
(أَفَلا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلاً) أي ليس (١١) لهم عقل يعقلون به أن العجل لا يصلح للآلهة ، يعني أيعبدونه فلا ينظرون أن العجل عاجز عن الخطاب ، إذ لا يرجع إليهم قولا ، يعني لا يكلمهم ولا يجيبهم إذا دعوه (وَلا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعاً) [٨٩] أي لا يقدر أن يدفع مضرة عنهم وأن يجلب نفعا لهم ، ف «أن» خفيفة من الثقيلة في (أَلَّا يَرْجِعُ) على تقدير رفع (يَرْجِعُ).
(وَلَقَدْ قالَ لَهُمْ هارُونُ مِنْ قَبْلُ يا قَوْمِ إِنَّما فُتِنْتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي (٩٠) قالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنا مُوسى (٩١) قالَ يا هارُونُ ما مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا (٩٢) أَلاَّ تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي (٩٣))
__________________
(١) «بملكنا» : قرأ المدنيان وعاصم بفتح الميم والأخوان وخلف بضمها ، والباقون بكسرها. البدور الزاهرة ، ٢٠٧.
(٢) «حملنا» : قرأ المدنيان والمكي والشامي وحفص ورويس بضم الحاء وكسر الميم مشددة ، والباقون بفتح الحاء والميم مخففة. البدور الزاهرة ، ٢٠٧.
(٣) معلوما أي ، ح ي ، ـ و.
(٤) هذا المعنى منقول عن القرطبي ، ١١ / ٢٣٥.
(٥) قد أخذه المؤلف عن السمرقندي ، ٢ / ٣٥٢ ؛ وانظر أيضا الكشاف ، ٤ / ٤٢.
(٦) ويجوز أن يكون المراد من الأوزار الآثام ، ح و : ـ ي.
(٧) لم تكن ، وي : لم يكن ، ح.
(٨) لعله اختصره من السمرقندي ، ٢ / ٣٥٢.
(٩) مجسدا ، وي : مجسد ، ح.
(١٠) الآية ، + و.
(١١) أي ليس ، ح ي : أي أليس ، و.