قال : فأتيت النبي صلىاللهعليهوسلم وهو ممسك بعيره وهو يقول : «ما تدخلون على قوم غضب الله عليهم» فناداه رجل : نعجب منهم يا رسول الله! قال : أفلا أنبئكم بأعجب من ذلك؟ رجل من أنفسكم ينبئكم بما كان قبلكم وما هو كائن بعدكم ، فاستقيموا وسددوا ؛ فإن الله لا يعبأ بعذابكم شيئا وسيأتي قوم لا يدفعون عن أنفسهم شيئا».
إسناد حسن ولم يخرجوه.
وقد ذكر أن قوم صالح كانت أعمارهم طويلة ، فكانوا يبنون البيوت من المدر فتخرب قبل موت الواحد منهم ، فنحتوا لهم بيوتا في الجبال.
وذكروا أن صالحا عليهالسلام لما سألوه آية ، فأخرج الله لهم الناقة من الصخرة ، أمرهم بها وبالولد الذي كان في جوفها ، وحذرهم بأس الله إن هم نالوها بسوء ، وأخبرهم أنهم سيعقرونها ويكون سبب هلاكهم ذلك. وذكر لهم صفة عاقرها وأنه أحمر أزرق أصهب ، فبعثوا القوابل في البلد متى وجدوا مولودا بهذه الصفة يقتلنه ، فكانوا على ذلك دهرا طويلا.
وانقرض جيل وأتى جيل آخر. فلما كان بعض الأعصار خطب رئيس من رؤسائهم على ابنه بنت آخر مثله في الرياسة ، فزوجه ، فولد بينهما عاقر الناقة ، وهو قدار بن سالف ، فلم تتمكن القوابل من قتله لشرف أبويه وجديه فيهم ، فنشأ نشأة سريعة ، فكان يشب في الجمعة كما يشب غيره في شهر ، حتى كان من أمره أن خرج مطاعا فيهم رئيسا بينهم ، فسولت له نفسه عقر الناقة واتبعه على ذلك ثمانية من أشرافهم ، وهم التسعة الذين أرادوا قتل صالح عليهالسلام.
فلما وقع من أمرهم ما وقع من عقر الناقة ، وبلغ ذلك صالحا عليهالسلام ، جاءهم باكيا عليها ، فتلقوه يعتذرون إليه ، ويقولون : إن هذا لم يقع عن ملأ منا. وإنما فعل هذا هؤلاء الأحداث فينا. فيقال إنه أمرهم باستدراك سقبها حتى يحسنوا إليه عوضا عنها ، فذهبوا وراءه فصعد جبلا هناك ، فلما تصاعدوا فيه وراءه تعالى الجبل حتى ارتفع فلا يناله الطير ، وبكى الفصيل حتى سالت دموعه. ثم استقبل صالحا عليهالسلام ورغا ثلاثا ، فعندها قال صالح : (تَمَتَّعُوا فِي دارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ ، ذلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ ،) وأخبرهم أنهم يصبحون من غدهم صفرا ، ثم تحمر وجوههم في الثاني ، وفي اليوم الثالث تسود وجوههم. فلما كان في اليوم الرابع أتتهم صيحة فيها صوت كل صاعقة ، فأخذتهم فأصبحوا في دارهم جاثمين.
وفي بعض هذا السياق نظر ومخالفة لظاهر ما يفهم من القرآن في شأنهم وقصتهم كما قدمنا.
والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب.