صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَها وَقالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ* قالُوا كَذلِكَ قالَ رَبُّكِ إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ.)
[٥١ / الذاريات : ٢٤ ـ ٣٠]
يذكر تعالى : أن الملائكة ـ قالوا : وكانوا ثلاثة : جبريل وميكائيل وإسرافيل ـ لما وردوا على الخليل حسبهم أولا أضيافا ، فعاملهم معاملة الضيوف ، وشوى لهم عجلا سمينا من خيار بقره ، فلما قربه إليهم وعرصه عليهم لم ير لهم همة إلى الأكل بالكلية ، وذلك لأن الملائكة ليس فيهم قوة الحاجة إلى الطعام «فنكرهم» إبراهيم (وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً ، قالُوا لا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمِ لُوطٍ) أي لندمر عليهم. فاستبشرت عند ذلك سارة غضبا لله عليهم ، وكانت نائمة على رءوس الأضياف كما جرت به عادة الناس من العرب وغيرهم ، فلما ضحكت استبشارا بذلك ، قال الله تعالى : (فَبَشَّرْناها بِإِسْحاقَ وَمِنْ وَراءِ إِسْحاقَ يَعْقُوبَ) أي بشرتها الملائكة بذلك «فأقبلت امرأته في صرة» أي في صرخة «فصكت وجهها» أي كما يفعل النساء عند التعجب وقالت : (يا وَيْلَتى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهذا بَعْلِي شَيْخاً) أي كيف يلد مثلي وأنا كبيرة وعقيم أيضا ، وهذا بعلي ، أي زوجي ، شيخا؟ تعجبت من وجود ولد والحالة هذه. ولهذا قالت : (إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ* قالُوا : أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللهِ! رَحْمَتُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ).
وكذلك تعجب إبراهيم عليهالسلام استبشارا بهذه البشارة وتثبيتا لها وفرحا بها ، (قالَ أَبَشَّرْتُمُونِي عَلى أَنْ مَسَّنِيَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ* قالُوا بَشَّرْناكَ بِالْحَقِّ فَلا تَكُنْ مِنَ الْقانِطِينَ) أكدوا الخبر بهذه البشارة وقرروه معه ، فبشروهما (بِغُلامٍ عَلِيمٍ) ؛ وهو إسحق أخو إسماعيل ، غلام عليم مناسب لمقامه وصبره ، وهكذا وصفه ربه بصدق الوعد والصبر ، وقال في الآية الأخرى :
(فَبَشَّرْناها بِإِسْحاقَ وَمِنْ وَراءِ إِسْحاقَ يَعْقُوبَ).
وهذا مما استدل به محمد بن كعب القرظي وغيره على أن الذبيح هو إسماعيل ، وأن إسحاق لا يجوز أن يؤمر بذبحه بعد أن وقعت البشارة بوجوده ووجود ولده يعقوب المشتق من العقب من بعده.
وعند أهل الكتاب أنه أحضر مع العجل الحنيذ ، وهو المشوي ، رغيفا من مكة فيه ثلاثة أكيال وسمن ولبن ، وعندهم أنهم أكلوا ، وهذا غلط محض ، وقيل : كانوا يرون أنهم يأكلون والطعام يتلاشى في الهواء.
وعندهم أن الله تعالى قال لإبراهيم : أما سارا امرأتك فلا يدعى اسمها سارا ولكن اسمها سارة ، وأبارك عليها وأعطيك منها ابنا ، وأباركه ويكون الشعوب وملوك الشعوب منه ، فخر إبراهيم على وجهه ـ يعني ساجدا ـ وضحك قائلا في نفسه : أبعد مائة سنة يولد لي غلام؟ أو سارة تلد وقد أتت عليها تسعون سنة؟!