وقوله : (وَكَذلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ) أي وكما قيضنا هذا العزيز وامرأته يحسنان إليه ويعتنيان به مكنا له في أرض مصر (وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ) أي فهمها ، وتعبير الرؤيا من ذلك. (وَاللهُ غالِبٌ عَلى أَمْرِهِ) أي إذا أراد شيئا فإنه يقيض له أسبابا وأمورا لا يهتدي إليها العباد. ولهذا قال تعالى : (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ).
(وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْناهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ). فذل على أن هذا كله كان وهو قبل بلوغ الأشد ، وهو حد الأربعين الذي يوحى الله فيه الى عباده النبيين ، عليهم الصلاة والسلام من رب العالمين.
وقد اختلفوا في مدة العمر الذي هو بلوغ الأشد : فقال مالك وربيعة وزيد بن أسلم والشعبي : هو الحلم. وقال سعيد بن جبير : ثماني عشرة سنة. وقال الضحاك : عشرون سنة.
وقال عكرمة : خمس وعشرون سنة. وقال السدي : ثلاثون سنة. وقال ابن عباس ومجاهد وقتادة :
ثلاث وثلاثون سنة. وقال الحسن : أربعون سنة ، ويشهد له قوله تعالى : (حَتَّى إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً).
(وراودته التي هو في بيتها عن نفسه ، وغلقت الأبواب وقالت هيت لك قال معاذ الله إنه ربي أحسن مثواي إنه لا يفلح الظالمون* ولقد همت به وهم بها لو لا أن رأى برهان ربه ، كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء ، إنه من عبادنا المخلصين* واستبقا الباب وقدت قميصه من دبر ، وألفيا سيدها لدى الباب ، قالت ما جزاء من أراد بأهلك سوءا إلا أن يسجن أو عذاب أليم* قال هي راودتني عن نفسي وشهد شاهد من أهلها : إن كان قميصه قد من قبل فصدقت وهو من الكاذبين* وإن كان قميصه قد من دبر فكذبت وهو من الصادقين* فلما رأى قميصه قد من دبر ، قال إنه من كيدكن إن كيدكن عظيم* يوسف أعرض عن هذا واستغفري لذنبك إنك كنت من الخاطئين)
[١٢ / يوسف ٢٣ ـ ٢٩]
يذكر تعالى ما كان من مراودة امرأة العزيز ليوسف عليهالسلام عن نفسه وطلبها منه ما لا يليق بحاله ومقامه ، وهي في غاية الجمال والمال. والمنصب والشباب. وكيف غلقت الأبواب عليها وعليه ، وتهيأت له وتصنعت ـ ولبست أحسن ثيابها وأفخر لباسها ، وهي مع هذا كله امرأة الوزير.
قال إبن إسحاق : وبنت أخت الملك الريان بن الوليد صاحب مصر.
وهذا كله مع أن يوسف عليهالسلام شاب بديع الجمال والبهاء ، إلا أنه نبي من سلالة الأنبياء ، فعصمه ربه من الفحشاء ، وحماه عن مكر النساء ، فهو سيد السادة النجباء ، السبعة الأتقياء ، المذكورين في الصحيحين عن خاتم الأنبياء ، في قوله عليه الصلاة والسلام من رب الأرض والسماء : «سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله : إمام عادل ، ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه ، ورجل معلق قلبه بالمسجد إذا خرج منه حتى يعود إليه ، ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه ؛ ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه ، وشاب