وأهل مصر وإن كانوا يعبدون الأصنام ، إلا أنهم يعلمون أن الذي يغفر الذنوب ويؤاخذ بها هو الله وحده لا شريك له في ذلك. ولهذا قال لها بعلها ، وعذرها من بعض الوجوه ؛ لأنها رأت مالا صبر لها على مثله ، إلا أنه عفيف نزيه (١) بريء العرض سليم الناحية فقال : (اسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخاطِئِينَ).
* * *
قال تعالى :
(وَقالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُراوِدُ فَتاها عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَها حُبًّا إِنَّا لَنَراها فِي ضَلالٍ مُبِينٍ* فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ واحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّيناً وَقالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حاشَ لِلَّهِ ما هذا بَشَراً إِنْ هذا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ* قالَتْ فَذلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ ما آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُوناً مِنَ الصَّاغِرِينَ* قالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجاهِلِينَ* فَاسْتَجابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ.)
[١٢ / يوسف : ٣٠ ـ ٣٤]
يذكر تعالى ما كان من قبل نساء المدينة ، من نساء الأمراء وبنات الكبراء في الطعن على امرأة العزيز وعيبها ، والتشنيع عليها في مراودتها فتاها ، وحبها الشديد له ، وهو لا يساوي هذا ؛ لأنه مولى من الموالي وليس مثله أهلا لهذا. ولهذا قلن : (إِنَّا لَنَراها فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) أي في وضعها الشيء في غير محله.
(فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ) أي بتشنيعهن عليها والتنقص لها ، والإشارة إليها بالعيب والمذلة بحب مولاها وعشق فتاها ، فأظهرن ذما وهي معذورة في نفس الأمر ، فلهذا أحب أن تبسط عذرها عندهن ، وتبين أن هذا الفتى ليس كما حسبن ، ولا من قبيل ما لديهن. فأرسلت إليهن فجمعتهن في منزلها ، وأعتدت لهن ضيافة مثلهن ، وأحضرت من جملة ذلك شيئا مما يقطع بالسكاكين ، كالأترج ونحوه ، وآتت كل واحدة منهن سكينا ، وكانت قد هيأت يوسف عليهالسلام ، وألبسته أحسن الثياب وهو في غاية طراوة الشباب (٢) وأمرته بالخروج عليهن بهذه (٣) الحالة ، فخرج وهو أحسن من البدر على محالة.
(فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ) أي أعظمنه وأجللنه وهبنه ، وما ظنن أن يكون مثل هذا في بني آدم ،
__________________
(١) و : وكان في غاية طراوة الشباب.
(٢) و : نزه.
(٣) و : في هذه.