يخبر تعالى عن شقاء فرعون وكثره جهله وقلة عقله ؛ في تكذيبه بآيات الله واستكباره عن اتباعها ، وقوله لموسى إن هذا الذي جئت به سحر ، ونحن نعارضك بمثله. ثم طلب من موسى أن يواعده إلى وقت معلوم ومكان معلوم.
وكان هذا من أكبر مقاصد موسى عليهالسلام : أن يظهر آيات الله وحججه وبراهينه جهرة بحضرة الناس ولهذا قال : (مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ) وكان يوم عيد من أعيادهم ومجتمعا لهم «وأن يحشر الناس ضحى» أي من أول النهار في وقت اشتداد ضياء الشمس ، فيكون الحق أظهر وأجلى ، ولم يطلب أن يكون ذلك ليلا في ظلام ؛ كيما يروّج عليهم محالا وباطلا ؛ بل طلب أن يكون نهارا جهرة ؛ لأنه على بصيرة من ربه ، ويقين بأن (١) الله سيظهر كلمته ودينه ، وإن رغمت أنوف القبط!
* * *
قال الله تعالى : (فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أَتى * قالَ لَهُمْ مُوسى وَيْلَكُمْ لا تَفْتَرُوا عَلَى اللهِ كَذِباً فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذابٍ وَقَدْ خابَ مَنِ افْتَرى * فَتَنازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوى * قالُوا إِنْ هذانِ لَساحِرانِ يُرِيدانِ أَنْ يُخْرِجاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِما وَيَذْهَبا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلى * فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلى.)
[٢٠ / طه : ٦٠ ـ ٦٤]
يخبر تعالى عن فرعون أنه ذهب فجمع من كان ببلاده (٢) من السحرة وكانت بلاد مصر في ذلك الزمان مملوءة سحرة فضلاء ، في فنهم غاية ، فجمعوا له من كل بلد ومن كل مكان فاجتمع منهم خلق كثير وجم غفير ، فقيل : كانوا ثمانين ألفا ـ قاله محمد بن كعب. وقيل سبعين ألفا قاله القاسم بن أبي بردة (٣) ، وقال السدي :
بضعة وثلاثين (٤) ألفا ، وعن أبي أمامة تسعة عشر الفا ، وقال محمد بن إسحاق : خمسة عشر ألفا. وقال كعب الأحبار : كانوا اثني عشر الفا.
وروى ابن أبي حاتم عن ابن عباس : كانوا سبعين رجلا ، وروي عنه أيضا أنهم كانوا أربعين غلاما من بني إسرائيل ؛ أمرهم فرعون أن يذهبوا إلى العرفاء فيتعلموا السحر. ولهذا قالوا : «وما أكرهتنا عليه من السحر» وفي هذا نظر.
وحضر فرعون وأمراؤه وأهل دولته وأهل بلده عن بكرة أبيهم ، وذلك أن فرعون نادى فيهم أن يحضروا هذا الموقف العظيم ، فخرجوا وهم يقولون : (لَعَلَّنا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ إِنْ كانُوا هُمُ الْغالِبِينَ).
وتقدم موسى عليهالسلام إلى السحرة فوعظهم ، وزجرهم عن تعاطي السحر الباطل ، الذي فيه معارضة لآيات الله وحججه فقال : (وَيْلَكُمْ لا تَفْتَرُوا عَلَى اللهِ كَذِباً فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذابٍ وَقَدْ خابَ مَنِ افْتَرى * فَتَنازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ.)
__________________
(١) و : أن.
(٢) و : في بلاده.
(٣) و : ابن أبي بذة.
(٤) و : وثمانين.