وقرأ بعضهم : «يوم التناد» بتشديد الدال ، أي يوم الفرار ، ويحتمل أن يكون يوم يحل الله بهم البأس. ، فيودّون (١) الفرار ولات حين مناص : (فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنا إِذا هُمْ مِنْها يَرْكُضُونَ* لا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلى ما أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَساكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْئَلُونَ.)
[٢١ / الأنبياء : ١٢ ، ١٣]
ثم أخبرهم عن نبوة يوسف في بلاد مصر ، وما كان منه من الإحسان إلى الخلق في دنياهم وأخراهم ، وهذا من سلالته وذريته ، ويدعو الناس إلى توحيد الله وعبادته ، وأن لا يشركوا به أحدا من بريته ، وأخبر عن أهل الديار المصرية في ذلك الزمان ، وأن من سجيتهم التكذيب بالحق ومخالفة الرسل. ولهذا قال : (فَما زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جاءَكُمْ بِهِ حَتَّى إِذا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولاً) أي وكذبتم في هذا. ولهذا قال :
(كَذلِكَ يُضِلُّ اللهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتابٌ* الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللهِ بِغَيْرِ سُلْطانٍ أَتاهُمْ). أي يردون حجج الله وبراهينه ودلائل توحيده ، بلا حجة ولا دليل عندهم من الله ؛ فإن هذا أمر يمقته (٢) الله غاية المقت ، أي يبغض من تلبس به من الناس ، ومن اتصف به من الخلق ، (كَذلِكَ يَطْبَعُ اللهُ عَلى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ) قرىء بالإضافة بالنعت ، وكلاهما متلازم : أي هكذا إذ خالفت القلوب الحق ـ ولا تخالفه إلا بلا برهان ـ فإن الله يطبع عليها ، أي يختم عليها [بما فيها](٣).
* * *
يقول تعالى :
(وَقالَ فِرْعَوْنُ يا هامانُ ابْنِ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبابَ* أَسْبابَ السَّماواتِ فَأَطَّلِعَ إِلى إِلهِ مُوسى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كاذِباً ، وَكَذلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ وَما كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلَّا فِي تَبابٍ ..)
[٤٠ / غافر : ٣٦ ـ ٣٧]
كذب فرعون موسى عليهالسلام في دعواه أن الله أرسله ، وزعم فرعون لقومه ما كذبه وافتراه في قوله لهم : (ما عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرِي ، فَأَوْقِدْ لِي يا هامانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلى إِلهِ مُوسى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكاذِبِينَ) وقال هاهنا : (لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبابَ أَسْبابَ السَّماواتِ) أي طرقها ومسالكها ، (فَأَطَّلِعَ إِلى إِلهِ مُوسى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كاذِباً) ويحتمل هذا معنيين : أحدهما وإني لأظنه كاذبا في قوله إن للعالم ربا غيري ؛ والآخر في دعواه أن الله أرسله والأول أشبه بظاهر حال فرعون ؛ فإنه كان ينكر ظاهرا إثبات الصانع والثاني أقرب إلى اللفظ حيث قال : (فَأَطَّلِعَ إِلى إِلهِ مُوسى) أي فأسأله هل أرسله أم (٤) لا؟ (وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كاذِباً) أي في دعواه تلك. وإنما كان مقصود فرعون أن يصد الناس عن تصديق موسى عليهالسلام ، وأن يحثهم على تكذيبه.
__________________
(١) و : فيردون.
(٢) و : يمقت الله عليه.
(٣) سقطت من م.
(٤) و : أولا.