(وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّءا لِقَوْمِكُما بِمِصْرَ بُيُوتاً ، وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ).
أوحى الله تعالى إلى موسى وأخيه هارون عليهماالسلام أن يتخذا لقومهما بيوتا متميزة فيما بينهم عن بيوت القبط ؛ ليكونوا على أهبة الرحيل إذا أمروا به ، ليعرف بعضهم بيوت بعض.
وقوله : (وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً) قيل مساجد ، وقيل معناه كثرة الصلاة فيها.
قاله مجاهد وأبو مالك وإبراهيم النخعي والربيع والضحاك وزين بن أسلم وابنه عبد الرحمن وغيرهم.
ومعناه على هذا : الاستعانة على ما هم فيه من الضر والشدة والضيق بكثرة الصلاة ، كما قال تعالى : (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ) وكان رسول الله صلىاللهعليهوسلم إذا حز به أمر صلى.
وقيل معناه : أنهم لم يكونوا حينئذ يقدرون على إظهار عبادتهم في مجتمعاتهم ومعابدهم ، فأمروا أن يصلوا في بيوتهم ؛ عوضا عما فاتهم من إظهار شعائر الدين الحق في ذلك الزمان ؛ الذي اقتضى حالهم إخفاءه خوفا من فرعون وملئه والمعنى الأول أقوى لقوله : (وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ). وإن كان لا ينافي الثاني أيضا والله أعلم.
وقال سعيد بن جبير : «واجعلوا بيوتكم قبلة» أي متقابلة.
* * *
قال تعالى :
(وَقالَ مُوسى رَبَّنا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوالاً فِي الْحَياةِ الدُّنْيا رَبَّنا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلى أَمْوالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ* قالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُما فَاسْتَقِيما وَلا تَتَّبِعانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ.)
[١٠ / يونس : ٨٨ ـ ٨٩]
هذا دعوة عظيمة دعا بها كليم الله موسى على عدو الله فرعون ، غضبا لله عليه ؛ لتكبره عن اتباع الحق ، وصده عن سبيل الله ومعاندته وعتوه وتمرده ، واستمراره على الباطل ، ومكابرته الحق الواضح الجلي الحسي والمعنوي ، والبرهان القطعي ، فقال : (رَبَّنا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ) يعني قومه من القبط ، ومن كان على ملته ودان بدينه (زِينَةً وَأَمْوالاً فِي الْحَياةِ الدُّنْيا رَبَّنا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ) أي وهذا يغتر به من يعظم أمر الدنيا ، فيحسب الجاهل أنهم على شيء ، لكن هذه الأموال وهذه الزينة ، من اللباس والمراكب الحسنة الهنية ، والدور الأنيقة والقصور المبنية ، والمآكل الشهية والمناظر البهية ، والملك العزيز والتمكين ، والجاه العريض في الدنيا لا الدين.
(رَبَّنَا اطْمِسْ عَلى أَمْوالِهِمْ) قال ابن عباس ومجاهد : أي أهلكها. وقال أبو العالية والربيع