ألف وستمائة ألف فالله أعلم. وقيل إن بني إسرائيل كانوا نحوا من ستمائة ألف مقاتل غير الذرية. وكان بين خروجهم من مصر بصحبة موسى عليهالسلام ودخولهم إليها بصحبة أبيهم إسرائيل أربعمائة سنة وست وعشرون سنة شمسية.
والمقصود أن فرعون لحقهم بالجنود ، فأدركهم عند شروق الشمس ، وتراءى الجمعان ، ولم يبق ثم ريب ولا لبس ، وعاين كل من الفريقين صاحبه وتحققه ورآه ، ولم يبق إلا المقاتلة والمجادلة والمحاماة. فعندها قال أصحاب موسى وهم خائفون : (إِنَّا لَمُدْرَكُونَ). وذلك لأنهم اضطروا في طريقهم إلى البحر فليس لهم طريق ولا محيد إلا سلوكه وخوضه ، وهذا ما لا يستطيعه أحد ولا يقدر عليه ، والجبال عن يسرتهم وعن أيمانهم وهي شاهقة منيفة ، وفرعون قد غالقهم وواجههم ، ، وعاينوه في جنوده وجيوشه وعدده وعدته ، وهم منه في غاية الخوف والذعر ؛ لما قاسوا في سلطانه من الإهانة والمكر.
فشكوا إلى نبي الله ما هم فيه مما قد شاهدوه وعاينوه. فقال الرسول الصادق المصدوق :
(كَلَّا إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِ) وكان في الساقة ، فتقدم إلى المقدمة ، ونظر إلى البحر وهو يتلاطم بأمواجه ، ويتزايد زبد أجاجه ، وهو يقول : هاهنا أمرت. ومعه أخوه هارون ، ويوشع بن نون ، وهو يومئذ من سادات بني إسرائيل وعلمائهم وعبادهم الكبار ، وقد أوحى الله إليه وجعله نبيا بعد موسى ، وهارون عليهماالسلام ، كما سنذكره فيما بعد إن شاء الله ، ومعهم أيضا مؤمن آل فرعون ، وهم وقوف ، وبنو إسرائيل بكمالهم عليهم عكوف. ويقال إن مؤمن آل فرعون جعل يقتحم بفرسه مرارا في البحر ، هل يمكن سلوكه؟ فلا يمكن ، ويقول لموسى عليهالسلام : يا نبي الله هاهنا أمرت؟ فيقول : نعم.
فلما تفاقم الأمر وضاق الحال واشتد الأمر ، واقترب فرعون وجنوده في جدهم وحدهم وحديدهم ، وغضبهم وحنقهم ، وزاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر ، عند ذلك أوحى الحليم العظيم القدير ، رب العرش الكريم ، إلى موسى الكليم : (أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْبَحْرَ). فلما ضربه ، يقال إنه قال له : انفلق بإذن الله ، ويقال إنه كناه بأبي خالد ، والله أعلم.
قال الله تعالى : (فَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ). ويقال إنه انفلق اثني عشر طريقا ، لكل سبط طريق يسيرون فيه ، حتى قيل إنه صار فيه أيضا شبابيك ليرى بعضهم بعضا! وفي هذا نظر ، لأن الماء جرم شفاف إذا كان من ورائه ضياء حكاه.
وهكذا كان ماء البحر قائما مثل الجبال ، مكفوفا بالقدرة العظيمة الصادرة من الذي يقول للشيء كن فيكون ، وأمر الله ريح الدبور فلفحت حال البحر فأذهبته ، حتى صار يابسا لا يعلق في سنابك الخيول والدواب.
قال الله تعالى : (وَلَقَدْ أَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنْ أَسْرِ بِعِبادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي