لنا إلها كما لهم آلهة ، إنكم تركبون سنن الذين من قبلكم) (١).
ورواه النسائي عن محمد بن رافع ، عن عبد الرزاق به. ورواه الترمذي عن سعيد بن عبد الرحمن المخزومي ، عن سفيان بن عيينة ، عن الزهري به ، ثم قال : حسن صحيح.
وقد روى ابن جرير من حديث محمد بن إسحاق ومعمر وعقيل ، عن الزهري ، عن سنان ابن أبي سنان ، عن أبي واقد الليثي ، أنهم خرجوا من مكة مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلى حنين ، قال :
وكان للكفار سدرة يعكفون عندها ، ويعلقون بها أسلحتهم ، يقال لها «ذات أنواط» قال فمررنا بسدرة خضراء عظيمة ، قال : فقلنا يا رسول الله اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط.
قال : «قلتم والذي نفسي بيده كما قال قوم موسى : (اجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ قالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ* إِنَّ هؤُلاءِ مُتَبَّرٌ ما هُمْ فِيهِ وَباطِلٌ ما كانُوا يَعْمَلُونَ).
* * *
والمقصود أن موسى عليهالسلام ، لما انفصل من بلاد مصر وواجه بلاد بيت المقدس وجد فيها قوما من الجبارين ، من الحيثانيين والفزاريين والكنعانيين وغيرهم.
فأمرهم موسى عليهالسلام بالدخول عليهم ومقاتلتهم ، وإجلائهم إياهم عن بيت المقدس ؛ فإن الله كتبه لهم ، ووعدهم إياه على لسان إبراهيم الخليل وموسى الكليم الجليل ، فأبوا ونكلوا عن الجهاد ، فسلط الله عليهم الخوف. وألقاهم في التيه يسيرون ويحلون يرتحلون ويذهبون ويجيئون. ، في مدة من السنين طويلة هي من العدد أربعون ، كما قال الله تعالى :
(وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِياءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكاً وَآتاكُمْ ما لَمْ يُؤْتِ أَحَداً مِنَ الْعالَمِينَ* يا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللهُ لَكُمْ وَلا تَرْتَدُّوا عَلى أَدْبارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خاسِرِينَ* قالُوا يا مُوسى إِنَّ فِيها قَوْماً جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَها حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْها فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْها فَإِنَّا داخِلُونَ* قالَ رَجُلانِ مِنَ الَّذِينَ يَخافُونَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبابَ فَإِذا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غالِبُونَ وَعَلَى اللهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ* قالُوا يا مُوسى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَها أَبَداً ما دامُوا فِيها فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ* قالَ رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ* قالَ فَإِنَّها مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ ..)
[٥ / المائدة : ٢٠ ـ ٢٦]
يذكرهم نبي الله نعمة الله عليهم وإحسانه إليهم بالنعمة الدينية والدنيوية ، ويأمرهم بالجهاد في سبيل الله ومقاتلة أعدائه فقال : (يا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللهُ لَكُمْ وَلا تَرْتَدُّوا عَلى أَدْبارِكُمْ) أي تنكصوا على أعقابكم ، وتنكلوا عن قتال أعدائكم (فَتَنْقَلِبُوا خاسِرِينَ) أي فتخسروا بعد الربح ، وتنقصوا بعد الكمال.
__________________
(١) الحديث رواه الترمذي. ورجاله ثقات (٣٤ / ١٨ / ٢١٨٠) وأبي واقد الليثي هو : الحرث بن عون. أه.